وهنا ترى أنَّ الفيلسوفَ وغيرُه على نصوصِ الوحي، وأدخلوا كثيرًا من نصوصِه في باب التَّأويلِ الفاسدِ، اعتمادًا على هذا المصطلحِ الحادثِ، ولم يقدرْ من سلكَ سبيلَ التَّأويلِ أن يتصدَّى لهم، بل كانَ مُنتقصًا عندهم إذا أرادَ ردَّهم عنه، لأنَّ الفيلسوفَ يرى أنَّه سلكَ سبيلاً هم سلكوها، وليست حكرًا عليهم، بل هي مُشَاعٌ لجميعِ العقولِ، وانظر مصداقَ ذلك في كتاب الفيلسوفِ ابن رشدٍ الآنفِ الذِّكرِ، فقد استطالَ على الأشاعرةِ، واستخدم مبدأ التأويل الذي يستخدمونه(١).
وإذا أردت أن تعرفَ أنَّه لا حدَّ لأوجه التَّأويلِ التي يذكرُها المؤوِّلونَ، فانظرْ في كتابِ ((مجازات القرآنِ)) للشَّريفِ الرَّضيِّ الرَّافضيِّ المعتزليِّ، فإنَّك ستجدُ في الكتابِ تطبيقاتِ متأوِّلٍ يستخدمُ المجازَ مطيَّةً له في تحريفِ النُّصوصِ.
تفسير آية التأويل من سورة آل عمران:
إن من أشهر ما وقعَ فيه الانحرافُ بسببِ مفهوم التَّأويلِ هذا، تفسيرُ آيةِ آل عمران، وهي قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) [آل عمران: ٧].
وقد تتبَّعت كلامَ شيخِ الإسلامِ ابن تيميَّةَ (ت: ٧٢٨) في هذه الآيةِ، وتخلَّصَ عندي منه ما يأتي:

(١) ينظر في هذا الموضوع: موقف ابن تيمية من الأشاعرةِ، للدكتور: عبدالرحمن بن صالح المحمود (٢: ٨٩٦- ٩٢٣)، فقد تكلَّم عنه تحت عنوان: (تسلط الفلاسفة والباطنية على المتكلمين).


الصفحة التالية
Icon