ومما يبيِّنُ أنهم اعتمدوا على ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ (ت: ٧٢٨) وغيَّروا المصطلحَ من ((طرق التفسير)) إلى ((التفسير بالمأثور)) أنهم حكوا الخلاف في كونِ تفسير التابعين يُعَدُّ من التفسيرِ بالمأثورِ أو لا يُعدُّ، قال الزرقانيُّ (ت: ١٣٦٧): ((وأمَّا ما ينقل عن التابعين ففيه خلاف بين العلماء: منهم من اعتبره من المأثور، لأنهم تلقوه من الصحابة غالبًا، ومنهم من قال: إنه من التفسير بالرأي)) (١).
وقال محمد حسين الذهبي (ت: ١٣٩٧): ((وإنما أدرجنا في التفسير المأثور، ما رُوي عن التابعين – وإن كان فيه خلاف: هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرَّأي؟ - لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور – كتفسير ابن جرير وغيره – لم تقتصر على ما ذكر مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة، بل ضمنت ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير)) (٢).
والأصلُ الذي نقلا منه – وهو رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨) – جاء فيه ما يأتي: ((وقال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم. وهذا صحيح. أمَّا إذا اجتمعوا على الشَّيء فلا يُرتابُ في كونه حُجَّةً، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن والسُّنَّةِ، أو عموم لغة العربِ، أو أقوال الصحابةِ في ذلك)) (٣).
وإذا وازنت بين هذه النُّقول تبيَّن لك أنَّهم تركوا مصطلحَ ((طرق التفسير)) إلى مصطلحٍ أحدثوه بدلاً عنه، وهو مصطلح ((التفسير بالمأثور))، ونزَّلوا ما ذكرَه شيخ الإسلام (ت: ٧٢٨) في حديثه عن ((طرق التفسيرِ)) على هذا المصطلحِ الذي اصطلحوا عليه.
ثانيًا: علاقة المأثور بالرأي:

(١) مناهل العرفان، للزرقاني (١٣: ٢).
(٢) التفسير والمفسرون (١٥٢: ١).
(٣) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية، تحقيق: عدنان زرزور (ص: ١٠٥).


الصفحة التالية
Icon