وطائفةٌ يقولون: هذا التَّأويلُ لا يعلمه إلا اللهُ، ثمَّ من هؤلاء من يقول تُجْرَى على ظواهرِها، ويتكلَّمُ في إبطالِ التَّأويلاتِ بكل طريقٍ. ومن المعلوم أنه إذا كان لها تأويل يخالفُ ظاهرَها لم يُحْمَلْ على ظاهرِه، وما حُمِلَ على ظاهرِه لم يكن له تأويلٌ بخالف ذلك، فضلاً عن أنْ يُقَال: يعلمه الله أو غيره. بل مثل هذا التَّأويلِ يقال فيه كما قال تعالى: ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ) [يونس: ١٨]، فإنَّ ما كان منتفيًا لا وجودَ له، لا يعلمُه اللهُ إلا منتفيًا لا وجود له، لا يعلمه ثابتًا موجودًا.
وسببُ هذا الاضطرابِ أنَّ لفظَ التَّأويلِ في عرفِ هؤلاءِ المتنازعين ليس معناه معنى التَّأويلِ في التَّنْزيلِ، بل ولا في عرفِ المتقدِّمين من مفسري القرآنِ، فإن أولئك كان لفظ التَّأويلِ عندهم بمعنىا التَّفسيرِ، ومثل هذا التَّأويلِ يعلمُه من يعلمُ تفسيرَ القرآنِ.
ولهذا لما كان مجاهدٌ إمامَ أهلِ التَّفسيرِ، وكان قد سألَ ابنَ عباسٍ رضي الله عنه عن تفسيرِ القرآنِ كلِّه وفسَّرَه له = كان يقولُ: إن الرَّاسخينَ في العلمِ يعلمون التَّأويلَ، أي التَّفسيرَ المذكورَ، وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله ممن يقولُ إنَّ الرَّاسخين في العلم يعلمون التَّأويل، ومرادهم به التَّفسير. وهم يثبتون الصفات، لا يقولون بتأويل الجهميَّة النُّفاة، التي هي صرفُ النُّصوصِ عن مقتضاها ومدلولِها ومعناها...
وأمَّا التَّأويلُ، بمعنى: صرف اللَّفظِ عن الاحتمالِ الرَّاجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ، كتأويلِ من تأوَّلَ استوى بمعنى: استولى ونحوه، فهذا عند السَّلفِ والأئمَّةِ باطلٌ لا حقيقة له، بل هو من باب تحريفِ الكَكِمِ عن مواضعِه والإلحادِ في أسماءِ اللهِ وآياتِه)) (١).
علاقةُ المتشابِه بالتَّأويلِ من خلال آيةِ آل عمران:

(١) درء تعارض العقل والنقل (٥: ٢٨٠- ٣٨٢).


الصفحة التالية
Icon