والمعتزليُّ يثبتُ معانيَ آياتٍ يرى أنها تدلُّ على مذهبِه، ويؤوِّلُ غيرها مما لا يوافقُ مذهبَه، فتراه يفسِّر قوله تعالى: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) [الأنعام: ١٠٣] على أنَّها تثبتُ عدم وقوعِ رؤيةِ الباري، فيعتمدها في نقي رؤيةِ الله في الآخرةِ. وإذا جاء إلى قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [القيامة: ٢٢- ٢٣]، وجدته يؤوِّلها ويحرفُ معناها إلى:
تنتظرُ ثوابَ ربِّها. مخالفًا بذلك التَّفسيرَ الصَّحيحَ الدَّالَّ على رؤيةِ الله سبحانه وتعالى.
وهكذا غيرهم من أهل البدع والأهواءِ، تراهم يجعلون القرآن عضين، فيأخذون ببعضه ويتركون بعضه الآخر.
وكلُّ هذه المؤوَّلاتِ يعلمُها الرَّاسخونَ في العلمِ، ويبيِّنون فسادَ أقوالِ هؤلاء الذين أخطأوا التَّأويل، وانحرفوا عن جادَّةِ الصوابِ.
ثانيًا- إذا كان التَّأويلُ بمعنى: ما تؤول إليه حقيقةُ الشيءِ:
إذا كان التَّأويلُ بمعنى: ما تؤول إليه حقيقةُ الشَّيءِ، فإنَّ المتشابه يتعلَّقُ بأمرٍ لا يمكنُ أنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ، وهو ما تؤولُ إليه حقائقُ الأشياءِ التي ذكرها اللهُ في القرآنِ أو ذكرَها رسولُه صلى الله عليه وسلم، وهذا يتعلَّقُ بالغيبيَّاتِ، وهذا النَّوعُ هو المتشابِه الكُلِّيُّ، الذي يستوي الناس جميعًا في عدمِ إدراكِه، ويتعلَّقُ بأمرينِ: وقتِ الوقوعِ، وكيفيَّةِ ما يقعُ من المغيَّباتِ، كوقت خروجِ الدَّابَّةِ، ونزولِ عيسى عليه السلام، ووقت قيام الساعة، وكيفيَّات كثيرٍ من الغيبيَّاتِ التي لم يُطلِعِ اللهُ عبادَهُ عليها، ككيفيَّاتِ صفاتِه العُلَى، وكيفيَّةِ الدابَّةِ التي تخرجُ في آخرِ الزَّمانِ، وغيرِها من الكيفيَّاتِ. أمَّا إذا كان الخبرُ الصَّحيحُ واردًا في كيفيَّةٍ من كيفيَّاتِ هذه المغيَّباتِ، فإنّها خارجةٌ من هذا القسمِ، وداخلةٌ في قسم المعلومِ.


الصفحة التالية
Icon