وكذلك ما روي عنه أنه قال: هي أقسام = غير مخالف لهذا القول، وذلك أن الأقسام الواردة في فواتح السور إنما هي بنعم، وأجوبتها تنبيه عليها، - فيكون قوله: ( الم ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [البقرة: ١- ٢] جملة في تقدير مقسم به. وقوله: ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) [البقرة: ٢] جوابها، ويكون إقسامه بها تنبيهًا على عِظَمِ موقعها، وعلى عجزنا عن معارضة كتابه المؤلف منها.
فإن قيل: لو كان قسمًا، لكان فيه حرف القسم.
قيل: إن حرف القسم يُحتاج إليه إذا كان المقسم به مجرورًا. فأما إذا كان مرفوعًا نحو: ((ويمُ الله))، أو منصوبًا نحو: ((يمينَ الله))، فليس بمحتاج إلى ذلك.
وما قاله زيد بن أسلم والحسن ومجاهد وابن جريج أنها أسماء للسور، فليس بمناف للأول، فكل سورة سُمِّيت بلفظ متلو منها، فله في السورة معنى معلوم. وعلى هذا القصائد والخطب المسماة بلفظ منها ما يفيد معنى فيها.
وكذلك ما قاله أبو عبيدة، وروي أيضًا عن مجاهد وحكاه قطرب والأخفش: أن هذه الفواتح دلائل على انتهاء السورة التي قبلها، وافتتاح ما بعدها، فإن ذلك يقتضي من حيث إنها لم تقع إلاَّ(١) في أوائل السور = يقتضي ما قالوه، ولا يوجب ذلك أن لا معنى سواه...)) (٢).
ومن هذا يتبين أن هذه الأحرف تخرج عن المتشابه الكلي، كما لا تدخل في السؤال الذي يطرحه بعض العلماء، وهو هل في القرآن ما لا يعلم معناه؟ لأنها أحرف لا تحتوي على معنى بذاتها فيطلب منها، أما إذا تركب منها الكلام، فلا يمكن أن يكون في القرآن كلام لا يعرف معناه، والله الموفق.

(١) ليس في الأصل ((إلاَّ))، وقد زدتها لأن المقام يقتضيها.
(٢) مقدمة جامع التفاسير (ص: ١٤٧- ١٤٨).


الصفحة التالية
Icon