لكن هل يعني وصفه بأنه مأثور أنه لم يقع فيه تفسير بالرأي؟.
إنَّ التفسيرَ بالرأي كان منذ عهد الصحابةِ الكرام، وكان لهم مستندهم في الرأي، من القرآن والسنة واللغة وأسباب النُّزول وشيءٍ من مرويات بني إسرائيل، وأحوال من نزل فيهم القرآن... إلخ.
وجاء التابعون، وكان جملةُ كبيرةُ من تفسيرهم بالرأي، وكان لهم اختيارُ في التفسيرِ قد يخالفُ اختيارَ أفراد الصحابة، وكانت مستندات الرأي عندهم ما كان عند الصحابةِ، وزاد في مصادرهم تفسيرُ الصحابةِ، لأ، هم جاءوا بعدهم.
ثمَّ جاء أتباع التابعين، وكان الحالُ كما كان في عهد التابعين، وعليهم وقف النقلُ في التفسير، كما هو ظاهر من كتب التفسير التي نقلت أقوال السلف.
وكان تفسيرُ كل طبقة بالنسبة لمن جاء بعدهم مأثورًا، لكنه لا يحملُ صفة القبولِ المطلقِ لأنه مأثورٌ فقط، لأنَّ فيه جملة من الاختلاف التي تحتاج إلى ترجيح القول الأولى = بل له أسباب أخرى مع كونه مأثورًا.
إذا تبين ما سبق، فإنَّ التفسيرَ المأثورَ عن السلف على قسمين:
القسم الأول: المنقول المحض الذي لا يمكن أن يرد فيه اجتهاد، ويشمل تفسيرات النبي ﷺ وأسباب النُّزول وقصص الآي والغيبيات.
والقسم الثاني: ما كان لهم فيه اجتهاد، ويظهر فيما يرد عليه الاحتمال من التفسير.
وما دام في تفسيرهم رأي، فما نوع الرأي الذي عندهم، وما نوع الرأي الذي جاء بعدهم؟.
أما الرأي الوارد عنهم، فهو من قبيل الرأي المحمود، لأنهم لم يكونوا يقولون في القرآن بغير علم، كما لم يكن عندهم هوى مذهبي يجعلهم يحرفون معاني الآيات إلى ما يعتقدونه، فلما سِلموا من هذين السببين اللذين هما من أكبر أسباب الوقوع في التحريف في التفسير، وكانوا يفسرون كلام الله على علمٍ، كان رأيهم محمودًا في التفسير.