يمكنُ تقسيمُ الاستنباط من الآياتِ إلى أقسامٍ:
أوَّلاً- الاستنباط من النص الظَّاهرِ الذي لا يحتاج إلى تفسير:
وهو على قسمين:
أنْ يكونَ الاستنباطُ صحيحًا، ومثاله: ما ذكر السيوطي (ت: ٩١١) في قوله تعالى: ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ )، قال: ((واستدل به الشافعي على صحة أنكحة الكفار)) (١).
أنْ لا يكون الاستنباطُ صحيحًا، ومثاله: استنباطُ بعض الصُّوفيَّة جوازَ الرَّقصِ من قوله تعالى: ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) [ص: ٤٢]، وهذا الاستنباطُ غيرُ صحيحٍ، والمعنى المدلول عليه خطأ بذاته، وهو الرَّقصُ، إذ الرَّقصُ لا يجوز أصلاً.
قال القرطبي (ت: ٦٧١): ((استدل بعض جهال المتزهدة وطغام المتصوفة بقوله تعالى لأيوب: ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) [ص: ٤٢] على جواز الرَّقص.
قال أبو الفرج الجوزي: وهذا احتجاج بارد، لأنه لو كان أُمِرَ بضربِ الرِّجلِ فَرَحًا كان لهم فيه شبهة، وإنما أُمِرَ بضرب الرِّجلِ ليَنْبُعَ الماءُ.
قال ابن عقيل: أين الدلالة في مبتلى أُمِرَ – عند كشف البلاء – بأن يضرب برجله الأرض، لينبع الماء إعجازًا = من الرقص، ولئن جاز أن يكون تحريكُ رِجلٍ قد أَنْحَلَها تَحَكُّمُ الهوامِّ دلالةً على جواز الرقص في الإسلام = جاز أن يُجعلَ قوله سبحانه لموسى: ( اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ) [البقرة: ٦٠] دلالة على ضرب الجماد بالقضبان، نعوذ بالله من التَّلاعب بالشرع(٢)...))(٣).
وقال الماورديُّ (ت: ٤٥٠): ((ذهب بعض من يتفقه من المفسِّرين إلى أنَّ من وصَّى بجزءٍ من مالِه لرجلٍ، أنها وصيَّةٌ بالعُشُرِ، لأنَّ إبراهيمَ وضعَ أجزاءَ الطَّيْرِ على عَشرَةِ جبالٍ)) (٤).

(١) الإكليل في استنباط التَّنْزيل (ص: ٢٣٠).
(٢) نقله المؤلف من كتاب ابن الجوزي: تلبيس إبليس (ص: ٣١٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (١٥: ٢١٥).
(٤) النَّكت والعيون، للماوردي، تحقيق: السيد بن عبدالرحيم بن عبدالمقصود (١: ٢٣٦).


الصفحة التالية
Icon