وأمَّا ظاهرُ القرآنِ، فلا ينفي وجودَ الخُنْثَى، لأنَّ الله تعالى قال: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ) [الشورى: ٤٩]، فهذا عمومُ مدحٍ، فلا يجوزُ تخصيصُه، لأنَّ القدرةَ تقتضيه.
وأمَّا قولُه: ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) [الشورى: ٤٩، ٥٠]، فهذا إخبارٌ عن الغالبِ في الموجوداتِ، وسكت عن ذكر النَّادرِ، لدخوله تحت عمومِ الكلامِ الأوَّلِ. والوجودُ يشهدُ له، والعيانُ يُكَذِّبُ منكرَه)) (١).
أن يكون التَّفسيرُ غيرَ صحيحٍ، ويكونَ الاستنباطُ غيرَ صحيحٍ كذلك.
ومثاله: تفسير قوله تعالى: ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ) [الأعراف: ١٤٣]، قالت المعتزلة: إنَّ لن تفيد التأبيد، والمعنى: لن تراني أبدًا، فيشمل نفيَ الرؤيةِ في الدنيا والآخرة.
قال أبو الفضلِ الطَّبرسيُّ الرافضيُّ المعتزليُّ (ت: ٥٤٨): ((( قَالَ لَن تَرَانِي ): هذا جوابٌ من اللهِ، ومعناه: لا تراني أبدًا، لأنَّ ((لن)) ينفي على وجه التَّابيدِ، كما قال: ( وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ) [البقرة: ٩٥]، وقال: ( لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ) [الحج: ٧٣] (٢)

(١) أحكام القرآن، لابن العربي، تحقيق: علي محمد البجاوي (٤: ١٦٧٤- ١٦٧٥).
(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي (٩: ١٦).
وقال الزمخشريُّ في تفسير هذه الآيةِ ((فإن قلتَ: ما معنى ((لن))؟ قلتُ: تأكيدُ النفي الَّذي تعطيه ((لا))، وذلك أنَّ ((لا)) تنفي المستقبلَ، تقول: لا أفعلُ غدًا، فإذا أكَّدت نفيها قلت: لن أفعل غدًا. والمعنى: أنَّ فِعلهُ ينافي حالي، كقوله: ( لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ )، فقوله: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ) نفيٌ للرؤيةِ فيما يُستقبَلُ، و( لَن تَرَانِي ) تأكيدٌ وبيانٌ، لأنَّ النفيَ منافٍ لصفاتِه)). الكشاف (٢: ١١٣).


الصفحة التالية
Icon