فإن قيل: لم قال عرضهم ولم يقل عرضها؟ أجيب: بأنّ الأسماء إذا جمعت جمع من يعقل ومن لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور، وقال مقاتل: خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة، والكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال: ﴿عرضهم على الملائكة﴾ ﴿فقال﴾ لهم سبحانه وتعالى تبكيتاً لهم وتنبيهاً على عجزهم عن أمر الخلافة ﴿أنبئوني﴾ أي: أخبروني ﴿بأسماء هؤلاء﴾ المسميات ﴿إن كنتم صادقين﴾ أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل وأعلم منه وذلك أنّ الملائكة قالوا لما قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾: ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم، وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
﴿قالوا﴾ أي: الملائكة إقراراً بالعجز وإشعاراً بأنّ سؤالهم كان استفساراً ولم يكن اعتراضاً وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهاراً لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما التبس عليهم ﴿سبحانك﴾ تنزيهاً عن الاعتراض عليك ﴿لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾ إياه وفي هذا مراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه سبحانه وتعالى وتصدير الكلام بسبحان إعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال فإنه تعالى منزه عن أن يفعل ما يخرج عن الحكمة، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿سبحانك تبت إليك﴾ (الأعراف، ١٤٣) وقال يونس عليه الصلاة والسلام: ﴿سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ (الأنبياء، ٨٧).
(١/١٠٠)
---