﴿و﴾ اذكر ﴿إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ لما أنبأهم بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له واعترافاً بفضله وأداء لحقه واعتذاراً عما قالوا فيه أو أمرهم به قبل أن يسوي خلقه لقوله تعالى: ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (الحجر، ٢٩) (ص، ٧٢) امتحاناً لهم وإظهاراً لفضله، وقضية الأوّل تأخير الأمر به عن تسوية خلقه بدليل تأخيره عن أنبائهم وتعليمهم المستلزمين لتسوية خلقه، وعلى الثاني اقتصر بعض المفسرين وهو الظاهر، وأجيب عن دليل الأوّل بأنّ الواو في قوله: وإذ قلنا لا تقتضي الترتيب والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة، والمأمور به إمّا المعنى الشرعي فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى وجعل آدم قبلة سجودهم تفخيماً لشأنه أو سبباً لوجوبه كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله فمعنى اسجدوا له أي: إليه وكأنه تعالى لما خلقه بحيث يكون أنموذجاً أي: مثالاً للمبدعات كلها بل الموجودات بأسرها ومجمعاً لما في العالم الروحاني والجثماني وذريعة للملائكة إلى استيفاء ما قدّر لهم من الكمالات ووصلة إلى ظهور ما تباينوا فيه من المراتب والدرجات أمرهم بالسجود تذللاً لما رأوا فيه من عظيم قدرته وباهر آياته وشكراً لما أنعم عليهم بواسطته، وأما المعنى اللغويّ وهو التواضع لآدم تحية وتعظيماً له كسجود إخوة يوسف له في قوله تعالى: ﴿وخروا له سجداً﴾ (يوسف، ١٠٠) ولم يكن فيه وضع الجبهة بالأرض إنما كان الانحناء فلما جاء الإسلام بطل ذلك بالسلام والكلام في أنّ المأمورين بالسجود الملائكة كلهم أو طائفة منهم مثل ما مرّ ﴿فسجدوا﴾ أي: الملائكة ﴿إلا إبليس أبى واستكبر﴾ أي: امتنع عما أمر به استكباراً من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه أو يعظمه أو يتلقاه بالتحية أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه، وقال: أنا خير منه، والإباء امتناع واختيار، والتكبر أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره،
(١/١٠٤)


الصفحة التالية
Icon