﴿ادعوا ربكم﴾ لأنّ الدعاء هو السؤال والطلب وهو نوع من أنواع العبادة لأنّ الداعي لا يقدم على الدعاء إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب وهو عاجز عن تحصيله وعرف أنّ ربه سبحانه وتعالى يسمع الدعاء ويعلم حاجته وهو قادر على إيصالها إلى الداعي فعند ذلك يعرف العبد نفسه بالعجز والنقص ويعرف ربه بالقدرة والكمال وهو المراد من قوله تعالى: ﴿تضرّعاً﴾ أي: ادعوا ربكم تذللاً واستكانة وهو إظهار الذل في النفس والخشوع يقال: ضرع فلان لفلان إذا ذل له وخشع ﴿وخفية﴾ أي: سرّاً في أنفسكم وهو ضدّ العلانية والأدب في الدعاء أن يكون خفياً لهذه الآية، وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله ﷺ فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال رسول الله ﷺ «أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم» قال أبو موسى: وأنا خلفه أقول لا حول ولا قوّة إلا بالله في نفسي، فقال: «يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟» قلت: بلى، قال: «لا حول ولا قوّة إلا بالله»، وقال الحسن: بين دعوة السرّ والجهر سبعون ضعفاً ولقد كان المسلمون يجهدون في الدعاء لا يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم وذلك أنّ الله تعالى يقول: ﴿ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية﴾ فإنّ الله تعالى أثنى على زكريا عليه الصلاة والسلام فقال: ﴿إذ نادى ربه نداءً خفياً﴾ (مريم، ٣)
(١٥/٣٣٦)
---