فإن قيل: هارون وموسى من أب وأمّ فلماذا ناداه بالأمّ فقط؟ أجيب: بأنه إنما ذكرها لأنها كانت مؤمنة فاعتد بنسبها ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها ليرققه عليه والطاعنون في عصمة الأنبياء يقولون: أخذ برأس أخيه يجره على سبيل الإهانة والاستحقاق والمثبتون لعمة الأنبياء يقولون: أخذ برأس أخيه يجره على سبيل الإهانة والاستخفاف والمثبتون لعصمة الأنبياء قالوا: جر رأس أخيه ليساره ويستكشف منه كيفية تلك الواقعة.
(١٥/٤٢٨)
---
فإن قيل: فلماذا قال يا ابن أمّ ﴿إنّ القوم﴾ الذين عبدوا العجل ﴿استضعفوني﴾ أي: إني قد بذلت وسعي في كفهم فاستذلوني وقهروني ﴿وكادوا﴾ أي: قاربوا ﴿يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء﴾ أي: فلا تفعل بي ما يشمتون بي لأجله وأصل الشماتة الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك يقال: شمت فلان بفلان إذا سرّ بمكروه نزل به أي: لا تسرّ الأعداء بما تنال مني من مكروه فكيف فعل بأخيه ذلك؟ أجيب: بأنّ هارون إنما قال ذلك خوفاً من أن يتوهم جهال بني إسرائيل أنّ موسى غضبان عليه كما هو غضبان على عبدة العجل أي: فلا تفعل بي ما تشمت به أعدائي فهم أعداؤك فإنّ القوم يحملون هذا الفعل الذي تفعله بي على الإهانة لا على الإكرام ﴿ولا تجعلني مع القوم الظالمين﴾ أي: الذين عبدوا العجل مع براءتي منهم بالمؤاخذة أو بنسبة التقصير ولما اعتذر له أخوه وذكر شماتة الأعداء.
﴿قال رب اغفر لي﴾ أي: ما حملني عليه مما صنعت بأخي ﴿ولأخي﴾ أي: اغفر له ما فرط في كفهم عن عبادة العجل إن كان وقع منه تفريط وضمه إلى نفسه في الاستغفار ترضية له ودفعاً للشماتة عنه ﴿وأدخلنا في رحمتك﴾ أي: بمزيد الإنعام علينا ﴿وأنت أرحم الراحمين﴾ فأنت أرحم بنا منا على أنفسنا قال الله تعالى: