وقد مرّت الإشارة إلى ذلك ولما أمر الله تعالى رسوله محمداً ﷺ بأن يقول للناس: ﴿إني رسول الله إليكم جميعاً﴾ أمر الله تعالى جميع خلقه بالإيمان به وبرسوله بقوله: ﴿فآمنوا با ورسوله﴾ وذلك أن الإيمان بالله هو الأصل والإيمان برسوله فرع عليه فلهذا بدأ بالإيمان بالله ثم ثنى بالإيمان برسوله ثم وصفه تعالى بقوله: ﴿النبيّ الأميّ﴾ وتقدّم معناهما ﴿الذي يؤمن با وكلماته﴾ أي: بما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه وقال قتادة: المراد بكلماته القرآن، وقال مجاهد: عيسى بن مريم لأنه خلق بقوله: كن فكان ولم يكن من نطفة تمنى، ولهذا سمي كلمة الله وقيل: هو الكلمة التي تكون عنها عيسى وجميع خلقه وهي قوله: ﴿كن﴾ ﴿واتبعوه﴾ أي: واقتدوا به أيها الناس فيما يأمركم به وينهاكم عنه ﴿لعلكم تهتدون﴾ أي: لكي تهتدوا وترشدوا جعل تعالى رجاء الاهتداء أثر الإيمان والاتباع تنبيهاً على أن من صدقه ولم يتابعه بالتزام شريعته فهو بعد في خطيئة الضلالة.
﴿ومن قوم موسى﴾ أي: من بني إسرائيل ﴿أمة﴾ أي: جماعة ﴿يهدون بالحق﴾ أي: يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق ﴿وبه﴾ أي: بالحق ﴿يعدلون﴾ أي: يحكمون والمراد بتلك الأمّة الثابتون على الإيمان القائلون بالحق من أهل زمان موسى عليه السلام اتبع ذكر المرتابين الكافرين من بني إسرائيل بذكر أضدادهم كما هو عادة القرآن تنبيهاً على أن تعارض الخير والشرّ وتزاحم أهل الحق والباطل مستمر وقيل: هم الذين أسلموا من اليهود في زمن النبي ﷺ كعبد الله بن سلام وأصحابه ﴿واعترض﴾ بأنهم كانوا قليلين في العدد ولفظ الأمة يقتضي الكثرة، وأجيب: بأنهم لما كانوا مخلصين في الدين جاز إطلاق لفظ الأمة عليهم كما في قوله تعالى: ﴿إنّ إبراهيم كان أمّة﴾ (النحل، ١٢)
(١٥/٤٤٥)
---