﴿فلما نسوا﴾ أي: تركوا ترك الناسي ﴿ما ذكروا﴾ أي: وعظوا ﴿به﴾ ولم يرجعوا ﴿أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا﴾ أي: بالاعتداء ومخالفة أمر الله تعالى ﴿بعذاب بئيس﴾ أي: شديد ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كانوا يفسقون﴾.
روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أسمع الله تعالى يقول: ﴿أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس﴾ فلا أدري ما فعلت الفرقة الساكتة وجعل يبكي، قال عكرمة: فقلت جعلني الله تعالى فداك ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما هم عليه، قالوا: لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم، وإن لم يقل الله أنجيتهم لم يقل أهلكتهم، قال: فأعجبه قولي ورضي به وأمر لي ببردين فألبسنيهما، وقال نجت الساكتة، وقال عمار بن زيان: نجت الطائفتان الذين قالوا لم تعظون قوماً الله مهلكهم، والذين قالوا معذرة، وأهلك الله الذين أخذوا الحيتان وهذا قول الحسن.
(١٥/٤٥٦)
---
فإن قيل: إنّ ترك الوعظ معصية والنهي أيضاً عنه معصية فوجب دخول هؤلاء التاركين للوعظ الناهين عنه تحت قوله تعالى: ﴿وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس﴾ ولهذا قال ابن زيد: نجت الناهية وهلكت الفرقتان. أجيب: بأنّ هذا غير لازم لأنّ النهي عن المنكر إنما يجب على الكفاية فإذا قام به البعض سقط عن الباقين.
﴿فيما عتوا عما نهوا عنه﴾ قال ابن عباس: أبوا أن يرجعوا عن المعصية والعتو عبارة عن الإباء والعصيان أي: فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه وتمرّدوا في العصيان من اعتدائهم في السبت واستحلالهم ما حرّم الله تعالى عليهم من صيد السمك في يوم السبت وأكله. ﴿قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾ أي: صاغرين فكانوها كقوله تعالى: ﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ (النحل، ٤٠)
وهذا يقتضي أنّ الله تعالى عذبهم أولاً بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريراً وتفصيلاً للأولى.
(١٥/٤٥٧)
---