الحالة من غير
(١٦/٥٥)
---
ميعاد ﴿ليقضي الله أمراً كان مفعولاً﴾ في علمه وهو نصر أوليائه وإعزاز دينه وإعلاء كلمته وقهر أعدائه، وقوله تعالى: ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة﴾ بدل من ليقضي أو متعلق بقوله: ﴿مفعولاً﴾ واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام أي: ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالطة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة، ويصدر إسلام من أسلم أيضاً عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به، فإنّ وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابراً لنفسه مغالطاً لها.f
وقرأ نافع والبزيّ وشعبة بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، والباقون بياء واحدة مشدّدة، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: ﴿وإنّ الله لسميع عليم﴾ أي: يسمع دعاءكم ويعلم حاجتكم وضعفكم لا تخفى عليه خافية.
﴿إذ﴾ أي: واذكر يا محمد نعمة الله عليك إذ ﴿يريكهم الله﴾ أي: المشركين ﴿في منامك﴾ أي: نومك ﴿قليلاً﴾ فأخبرت أصحابك فسروا وقالوا: رؤيا النبيّ ﷺ حق، وصار ذلك سبباً لجرائتهم على عدوّهم وقوّة لقلوبهم.
فإن قيل: رؤيا الكثير قليلاً غلط، فكيف يجوز على الله تعالى؟ أجيب: بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يسئل عما يفعل، أو أنه تعالى أراه بعضهم دون بعض، فحكم ﷺ على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون، وقال الحسن: إنّ هذه الإراءة كانت في اليقظة قال: والمراد من المنام العين التي هي موضع النوم ﴿ولو أراكهم كثيراً لفشلتم﴾ أي: ولو أراكم كثيراً لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لفشلوا أي: جبنوا ﴿ولتنازعتم﴾ أي: اختلفتم ﴿في الأمر﴾ أي: أمر القتال وتفرّقت آراؤكم بين الفرار والقتال ﴿ولكنّ الله سلم﴾ أي: سلمكم من الفشل والتنازع فيما بينكم، وقيل: سلمكم من الهزيمة والقتل ﴿إنه﴾ تعالى ﴿عليم﴾ أي: بالغ العلم ﴿بذات الصدور﴾ أي: بما في القلوب من الجراءة والجبن والجزع وغير ذلك.
(١٦/٥٦)