فإن قيل: هذه الآية توجب الثبات على كل حال وذلك يوهم أنها ناسخة لآية التحرّف والتحيز. أجيب: بأنّ المراد من الثبات الجدّ في المحاربة بل كان الثبات في هذا المقصود لا يحصل إلا بذلك التحرّف والتحيز.
ثم قال تعالى مؤكداً لذلك:
(١٦/٥٩)
---
﴿وأطيعوا الله ورسوله﴾ في سائر ما يأمران به؛ لأنّ الجهاد لا ينفع إلا مع التمسك بسائر الطاعات ﴿ولا تنازعوا﴾ أي: تختلفوا فيما بينكم ﴿فتفشلوا﴾ أي: تجبنوا ﴿وتذهب ريحكم﴾ أي: قوّتكم ودولتكم، والريح مستعارة للدولة شبهها في نفوذ أثرها بالريح، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به ادعاء، وأطلق اسم المشبه به على المشبه، وقيل: المراد بها الحقيقة؛ لأنه لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله تعالى، وفي حديث الشيخين «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»، وعن النعمان بن مقرن قال: «شهدت مع رسول الله ﷺ فكان إذا لم يقاتل من أوّل النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر» أخرجه أبو داود ﴿واصبروا﴾ أي: عند لقاء العدوّ ولا تنهزموا عنه ﴿إنّ الله مع الصابرين﴾ بالنصر والمعونة.
روي أنه ﷺ قال: «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قال ﷺ «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».
(١٦/٦٠)
---


الصفحة التالية
Icon