ولما انهزموا وبلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغه ذلك فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان، وقوله تعالى: ﴿وا شديد العقاب﴾ يجوز أن يكون من كلام إبليس أي: إني أخاف الله؛ لأنه شديد العقاب وأن يكون مستأنفاً أي: والله شديد العقاب لمن خالفه وكفر به.
فإن قيل: كيف يقدر إبليس أن يتصوّر بصورة البشر وإذا تشكل بصورة البشر فكيف يسمى شيطاناً؟ أجيب: بأنّ الله تعالى أعطاه قوّة، وأقدره على فعل ذلك كما أعطى الملائكة قوّة وأقدرهم على أن يتشكلوا بصورة البشر لكن النفس الباطنية لم تتغير، فلم يلزم من تغير الصورة تغير الحقيقة.
وروي أنه ﷺ قال: «ما رؤي إبليس يوماً فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة» وما ذاك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما كان من يوم بدر.
﴿إذ﴾ أي: واذكر إذ ﴿يقول المنافقون﴾ أي: من أهل المدينة، والمنافق هو من يظهر الإسلام ويخفي الكفر كما أنّ المرائي هو من يظهر الطاعة ويخفي المعصية ﴿والذين في قلوبهم مرض﴾ أي: شك وارتياب، وهم قوم من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يقع الإسلام في قلوبهم ولم يتمكن، فلما خرج قريش إلى حرب رسول الله ﷺ خرجوا معهم إلى بدر، فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا: ﴿غرّ هؤلاء﴾ المسلمين ﴿دينهم﴾ إذ خرجوا مع قلتهم يقاتلون الجمع الكثير توهماً أنهم ينصرون بسببه، فقتلوا جميعاً منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وعديّ بن أمية بن خلف الجمحي والعاص بن أمية بن الحجاج، قال تعالى في جوابهم: ﴿ومن يتوكل على الله﴾ أي: يثق به يغلب ﴿فإنّ الله عزيز﴾ أي: غالب على أمره ﴿حكيم﴾ أي: في صنعه يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل، ويعجز عن إدراكه.
ولما شرح تعالى أحوال هؤلاء الكفار شرح أحوال موتهم، والعذاب الذي يصل إليهم في ذلك الوقت بقوله تعالى:
(١٦/٦٣)
---


الصفحة التالية
Icon