فإن قيل: المنافقون لا يخافون القتال فكيف يوجب ما ذكر الإرهاب؟ أجيب: بأنّ المنافقين إذا شاهدوا قوّة المسلمين، وكثرة آلاتهم وأسلحتهم كان ذلك مما يخوفهم ويقطع طمعهم من أن يصيروا غالبين، فيحملهم ذلك على أن يتركوا الكفر من قلوبهم، وبواطنهم ويصيروا مخلصين في الإيمان، وقيل: هم اليهود، وقيل: الفرس ﴿وما تنفقوا من شيء﴾ وإن قل ﴿في سبيل الله﴾ أي: طاعته جهاداً كان أو غيره ﴿يُوفّ إليكم﴾ قال ابن عباس: أجره، أي: لا يضيع في الآخرة أجره ويعجل الله عوضه في الدنيا ﴿وأنتم لا تظلمون﴾ أي: لا تنقصون من الثواب، ولما سئل ابن عباس عن هذا التفسير تلا قوله تعالى: ﴿آتت أكلها ولم تظلم منه شيأ﴾ (الكهف، ٣٣)
ولما بيّن تعالى ما يرهب به العدوّ من القوّة، والاستظهار بيّن جواز الصلح بقوله تعالى:
﴿وإن جنحوا﴾ أي: مالوا ﴿للسلم﴾ أي: الصلح ﴿فاجنح﴾ أي: فمل ﴿لها﴾ وعاهدهم، وتأنيث الضمير في لها لحمل السلم مع أنه مذكر على ضدّه وهو الحرب قال الشاعر:
*السلم تأخذ منها ما رضيت به ** والحرب يكفيك من أنفاسها جُرَعُ*
فأنث ضمير السلم، في تأخذ حملاً على ضدّه وهو الحرب، وعن ابن عباس هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون با﴾ (التوبة، ٢٩)
وعن مجاهد بقوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ (التوبة، ٥)
وقال غيرهما: الصحيح إنّ الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام، وأهله من حرب أو سلم وليس بحتم أن يقاتلوا أبداً أو يجابوا إلى الهدنة أبداً وهذا ظاهر.
وقرأ شعبة بكسر السين، والباقون بالفتح ﴿وتوكل على الله﴾ أي: فوض أمرك إليه فيما عقدته معهم؛ ليكون عوناً لك في جميع أحوالك ﴿إنه هو السميع﴾؛ لأقوالهم فهو يسمع كل ما أبرموه في ذلك، وفي غيره كما يسمعه علانية ﴿العليم﴾ بنياتهم فهو يعلم كل ما أخفوه كما إنه يعلم كل ما أعلنوه.
(١٦/٧٢)
---


الصفحة التالية
Icon