وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالتاء على التأنيث والباقون بالياء على التذكير ﴿بأنهم﴾ أي: بسبب أنهم ﴿قوم لا يفقهون﴾ أي: جهلة بالله تعالى واليوم الآخر، فلا يقاتلوا لطلب ثواب وخوف عقاب إنما يقاتلون حمية، فإذا صدقتموهم في القتال لا يثبتون معكم، وكان هذا يوم بدر فرض الله تعالى على الرجل الواحد من المسلمين قتال عشرة من الكافرين فثقلت على المؤمنين، قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل التكليف بهذه الآية صاح المهاجرون وقالوا: يا رب نحن جياع وعدوّنا شباع، ونحن في غربة وعدوّنا في أهليهم ونحن قد أخرجنا من ديارنا وأموالنا، وعدوّنا ليس كذلك فنسخها الله تعالى بقوله تعالى:
﴿الآن خفف الله عنكم﴾ أيها المؤمنون ﴿وعلم أن فيكم ضعفاً﴾ أي: في قتال الواحد للعشرة ﴿فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين﴾ منهم ﴿وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين﴾ منهم ﴿بإذن الله﴾ أي: بإرادته تعالى، فردّوا من العشرة إلى اثنين، فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوّهم لا يجوز أن يفروا، وقال عكرمة: إنما أمر الرجل أن يصبر لعشرة والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين، فلما كثروا خفف الله تعالى عنهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر، فإن فر من اثنين فقد فر ﴿وا مع الصابرين﴾ بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون، قال سفيان بن شبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر.
(١٦/٧٦)
---
﴿ما كان﴾ أي: ما صح وما استقام ﴿لنبيّ أن تكون له أسرى﴾ قرأ أبو عمرو بالتاء على التأنيث، والباقون بالياء على التذكير ﴿حتى يثخن في الأرض﴾ أي: يكثر قتل الكفار، ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه، ويعز الإسلام ويستولي أهله؛ لأنّ الملك والدولة إنما تقوى وتشتدّ بالقتل، قال الشاعر:
*لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ** حتى يراق على جوانبه الدم*


الصفحة التالية
Icon