(١/١٢٥)
---
بعضاً فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء أن تشبكي فصارت شبكاً كالطاقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى: ﴿فأنجيناكم﴾ أي: من آل فرعون ﴿وأغرقنا آل فرعون﴾ وذلك أنّ فرعون لما وصل البحر فرآه منفلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه، وقيل: قالوا له: إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل ـ يعني: موسى ـ وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى فتقدّمهم وخاض البحر فلما شمّ أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر، في أثرها وهم لا يرونه ولا يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لا يرى فرس جبريل واقتحمت الخيول خلفه في البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وفرّقهم أجمعين وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم طرف من بحر فارس. قال قتادة: بحر من وراء مصر يقال له: أسان وذلك بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله تعالى: ﴿وأنتم تنظرون﴾ إلى مصارعهم، أو إطباق البحر عليهم، أو انفلاق البحر عن طرق يابسة مذللة، أو جثثهم التي قذفها البحر إلى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضاً، واعلم أنّ هذه الواقعة من أعظم ما أنعم الله به على بني إسرائيل، ومن الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى الكليم، ثم إنهم اتخذوا العجل وقالوا: ﴿لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة﴾ (البقرة، ٥٥) فهم بمعزل من الفطنة والذكاء وسلامة النفس وحسن الاتباع عن أمّة محمد ﷺ مع أن ما تواتر من معجزاته أمور نظرية مثل القرآن والتحدّي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة على نبوّة محمد صلى الله عليه


الصفحة التالية
Icon