وروي أن أبا بكر رضي الله عنه لما كان ببعض الطريق هبط جبريل، وقال: يا محمد لا يبلغنّ رسالتك إلا رجل منك فأرسل علياً رضي الله عنه فرجع أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله أشيء نزل، قال: نعم فسر وأنت على الموسم وعلي ينادي بالآي، فلما كان قبل التروية بيوم خطب أبو بكر وحدثهم عن مناسكهم وقام علي يوم النحر عند جمرة العقبة فقال: أيها الناس إني رسول رسول الله ﷺ إليكم، فقالوا: بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية، وعن مجاهد ثلاث عشرة، ثم قال: أمرت بأربع آي بأن أخبروا نادى بها أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف به عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده، فقالوا عند ذلك: أبلغ ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأنه ليس بيننا وبينه عهد إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف ثم حج رسول الله ﷺ سنة عشر حجة الوداع.
فإن قيل: قد بعث رسول الله ﷺ جماعة لأن يؤدّوا عنه كثيراً ولم يكونوا من عترته، أجيب: بأنّ هذا ليس على العموم بل مخصوص بالعهود؛ لأنّ العرب عاداتها أن لا يتولى العهد ونقضه على القبيلة إلا رجل من الأقارب، فلو تولاه أبو بكر رضي الله تعالى عنه لجاز أن يقولوا: هذا خلاف ما يعرف فينا من نقض العهود، فربما لم يقبلوا فلم يخف عليهم بتوليته علياً ذلك، ويدل على ذلك أن في بعض الروايات لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، وقيل: لما خص أبا بكر بتولية الموسم خص علياً بهذا التبليغ تطييباً للقلوب ورعاية للجوانب، وقيل: قرر أبا بكر على الموسم وبعث علياً خليفة لتبليغ هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون ذلك جارياً مجرى تنبيه على إمامة أبي بكر.
(١٦/٩٣)
---