وقيل: إنها محكمات كلها ووجه الجمع بين هذه الآيات أن المؤمنين كانوا يسارعون إلى طاعة الله تعالى وجهاد عدوهم من غير استئذان فإذا عرض لأحدهم عذر استأذن في التخلف فكان رسول الله ﷺ مخيراً في الإذن لهم بقوله تعالى: ﴿فأذن لمن شئت منهم﴾ وأما المنافقون فكانوا يستأذنون في التخلف من غير عذر فعيرهم الله تعالى بهذا الاستئذان لكونه بغير عذر.
﴿ولو أرادوا الخروج﴾ إلى الغزو معك ﴿لأعدّوا له﴾ أي: قبل حلوله ﴿عدّة﴾ أي: قوّة وأهبة من المتاع والسلاح والكراع بحيث يكونون كالحاضرين في صلب الحرب الواقفين في الصف قد استعدوا لها بجميع عدتها، ولما كان قوله تعالى: ﴿ولو أرادوا الخروج﴾ يعطي معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو أتى تعالى بحرف الاستدراك فقال تعالى: ﴿ولكن كره الله انبعاثهم﴾ أي: لم يرض خروجهم معك إلى الغزو ﴿فثبطهم﴾ أي: حبسهم بالجبن والكسل ﴿وقيل﴾ لهم ﴿اقعدوا مع القاعدين﴾ أي: مع النساء والصبيان والمرضى وأهل الأعذار ومعنى ﴿قيل لهم﴾ أي: قدر الله تعالى عليهم ذلك بأن ألقى في قلوبهم القعود لما كره الله انبعاثهم مع المؤمنين، وقيل القائل هو رسول الله ﷺ لما استأذنوه في القعود فقال لهم: اقعدوا مع القاعدين.
فإن قيل: خروج المنافقين مع النبي ﷺ إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة فإن كان فيه مصلحة فلِمَ قال تعالى: ﴿ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم﴾ وإن فيه مفسدة فلم قال الله تعالى لنبيه ﷺ ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ في ترك الخروج؟ أجيب: بأن خروجهم فيه مفسدة عظيمة بدليل قوله تعالى:
﴿لو خرجوا فيكم﴾ أي: معكم ﴿ما زادوكم﴾ بخروجهم ﴿إلا خبالاً﴾ أي: فساداً وشراً بتخذيل المؤمنين وتقدم الكلام على قوله: ﴿لم أذنت لهم﴾.
(١٦/١٦٦)
---


الصفحة التالية
Icon