فإن قيل: قابل التعجيل في الآية بالاستعجال، وكان مقتضى النظم أن يقابل التعجيل بالتعجيل والاستعجال بالاستعجال، أجيب: بأنَّ تقدير الكلام: ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالاً كاستعجالهم بالخير، فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه، وقال في «الكشاف»: أصل هذا الكلام: ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم بالخير إلا أنه وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم بالخير شعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم، حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم.A
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يستعجلون في نزول العذاب، بين أنهم كاذبون في ذلك الطلب والاستعجال بقوله تعالى:
﴿وإذا مس الإنسان﴾ أي: الكافر ﴿الضرّ﴾ أي: المرض والفقر ﴿دعانا لجنبه﴾ أي: على جنبه مضطجعاً ﴿أو قاعداً أو قائماً﴾ وفائدة التردّد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار، والمعنى: أنّه لو نزل بالإنسان أدنى شيء يكرهه ويؤذيه فإنه يتضرّع إلى الله تعالى في إزالته عنه، وفي دفعه عنه، وذلك يدل على أنه ليس صادقاً في طلب الاستعجال ﴿فلما كشفنا عنه ضرّه﴾ أي: أزلنا عنه ما نزل به، ﴿مرّ﴾ أي: مضى على ما كان عليه من الكفر، ﴿كأن لم يدعنا﴾ أي: كأنه، فأسقط الضمير على سبيل التخفيف، ونظيره قوله تعالى: ﴿كأن لم يلبثوا﴾ (يونس، ٤٥)
. ﴿إلى ضرَ مسه﴾. قال الحسن: نسي ما كان دعا الله فيه، وما صنع الله به في إزالة ذلك البلاء عنه، وإنما حمل الإنسان في هذه الآية على الكافر؛ لأنَّ العمل المذكور لا يليق بالمسلم البتة، وقول بعضهم: كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد هو الكافر مردود، فقد قال تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر﴾ (الإنسان: ١)
. وقال تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين﴾ (المؤمنون: ١٢)
. وقال تعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾ (ق، ١٦) وأما المؤمن إذا ابتلي ببلية ومحنة، وجب عليه رعاية أمورٍ:
(٣/١٥)
---