روي أنّ موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءهم بالتوراة ورأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم لأنها كانت شريعة ثقيلة وأبوا قبولها فأمر الله تعالى جبريل بقلع الطور فظلله فوقهم وكان على قدر عسكرهم وكان فرسخاً في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة رجل كالظلة وقال لهم: إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم، وقال عطاء عن ابن عباس: رفع الله فوق رؤوسهم الطور وبعث ناراً من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم، وقيل لهم: فإن قبلتم وإلا رضختكم بهذا الجبل أو أغرقتكم في هذا البحر أو أحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم من ذلك قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصارت سنة في اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ويقولون: بهذا السجود رفع العذاب عنا ﴿خذوا﴾ هو على إرادة القول أي: وقلنا خذوا ﴿ما آتيناكم﴾ من الكتاب ﴿بقوّة﴾ بجدّ وعزيمة ﴿واذكروا ما فيه﴾ بالعمل فيه أو تفكروا فيه فإنه تذكر بالقلب كما أنّ الدرس ذكره باللسان أو ادرسوه ولا تنسوه ﴿لعلكم تتقون﴾ لكي تتقوا النار أو المعاصي.
﴿ثم توليتم﴾ أعرضتم عن الوفاء بالميثاق ﴿من بعد ذلك﴾ أي: بعد أخذه ﴿فلولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ أي: بتوفيقكم للتوبة أو بالإمهال وتأخير العذاب عنكم أو بإرسال محمد ﷺ يدعوكم إلى الحق ويهديكم إليه ﴿لكنتم من الخاسرين﴾ أي: من المغبونين بالانهماك في المعاصي أو بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة.
تنبيه: لو في الأصل لامتناع الشيء لامتناع غيره فإذا دخل على لا أفاد إثباتاً أو هو امتناع الشيء لثبوت غيره والاسم الواقع بعده عند سيببويه مبتدأ خبره واجب الحذف لدلالة الكلام عليه وسد الجواب مسدّه وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف.
(١/١٤٦)
---


الصفحة التالية
Icon