﴿قل﴾ أي: قل يا محمد لهؤلاء﴿هل من شركائكم﴾ الذين زعمتموهم شركاء وأشركتموهم في أموالكم من أنعامكم وزرعكم ﴿من يبدأ الخلق﴾ كما بدأ به ليصح لكم ما ادّعيتم من الشركة ﴿ثم يعيده﴾ كما كان. فإن قيل: هم غير معترفين بالإعادة فكيف احتج عليهم تعالى بها كالابتداء في الإلزام بها؟ أجيب: بأنها لظهور برهانها وإن لم يقروا بها وضعت موضع ما إن دفعه دافع كان مكابراً رادّاً للظاهر البيّن الذي لا مدخل للشبهة فيه دلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمراً مسلماً معترفاً بصحته عند العقلاء. ولذلك أمر رسول الله ﷺ أن ينوب عنهم في الجواب بقوله تعالى: ﴿قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده﴾ لأنّ لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها ﴿فأنى﴾ أي: فكيف ﴿تؤفكون﴾ عن عبادته مع قيام الدلائل. فإن قيل: ما الفائدة في ذكر هذه الحجة على سبيل السؤال والاستفهام؟ أجيب: بأنّ الكلام إذا كان ظاهراً جلياً ثم ذكر على سبيل الاستفهام كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب.
الحجة الثالثة: قوله تعالى ﴿قل﴾ أي: قل يا محمد لهم ﴿هل من شركائكم من يهدي إلى الحق﴾ بنصب الحجج، وخلق الاهتداء، وإرسال الرسل، ولما كانوا جاهلين بالجواب الحق في ذلك أو معاندين أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يجيب بقوله تعالى: ﴿قل الله﴾ أي: الذي له الإحاطة الكاملة ﴿يهدي للحق﴾ من يشاء لا أحداً ممن زعمتموه شركاء، فالاشتغال بشيء منها بعبادة أو غيرها جهل محض. قال الزجاج: يقال هديت إلى الحق، وهديت للحق بمعنى واحد. فالله تعالى ذكر هاتين اللغتين في قوله تعالى: ﴿من يهدي إلى الحق﴾ وفي قوله تعالى: ﴿قل الله يهدي للحق﴾ وقوله تعالى: ﴿أفمن يهدي إلى الحق﴾ أي: وهو الله تعالى ﴿أحق أن يتبع أمّن لا يهدي﴾ أي: يهتدي ﴿إلا أن يهدى﴾ أحق أن يتبع استفهام تقرير وتوبيخ، أي: الأوّل أحق ﴿فما لكم كيف تحكمون﴾ هذا الحكم الفاسد من اتباع من لا يستحق الاتباع، وقوله تعالى:
(٣/٤١)
---