﴿بل كذبوا﴾ أي: أوقعوا التكذيب الذي لا تكذيب أشنع منه مسرعين في ذلك ﴿بما لم يحيطوا بعلمه﴾ أي: القرآن أوّل ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته من غير شبهة أصلاً بل عناداً وطغياناً ونفوراً مما يخالف دينهم، فهو من باب: مَنْ جَهِلَ شيئاً عاداه، والإحاطة إدارة ما هو كالحائط حول الشيء وإحاطة العلم بالشيء العلم به من جميع وجوهه ﴿ولما يأتهم﴾ أي: إلى زمن تكذيبهم ﴿تأويله﴾ أي: تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب وعاقبة ما فيه من الوعيد حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب، ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرّر عليهم التحدي، فجربوا عقولهم في معارضته فصغرت وضعفت دونها، ومع هذا لم يقلعوا عن التكذيب تمرداً وعناداً ﴿كذلك﴾ أي: مثل تكذيبهم هذا التكذيب العظيم في الشناعة قبل تدبر المعجزة ﴿كذب الذين من قبلهم﴾ أي: من كفار الأمم الماضية فظلموا فأهلكناهم بظلمهم ﴿فانظر﴾ يا محمد ﴿كيف كان عاقبة الظالمين﴾ بتكذيب الرسل، أي: آخر أمرهم من الهلاك، فكذلك يهلك من كذبك من قومك، وفي ذلك تسلية للنبيّ ﷺ ويحتمل أن يكون الخطاب لكل فرد من الناس، والمعنى: فانظر أيها الإنسان كيف كان عاقبة من ظلم، فاحذر أن تفعل مثل فعله.
﴿ومنهم﴾ أي: من قومك يا محمد، ﴿من يؤمن به﴾ أي: القرآن، أي: يصدق به في نفسه، ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند بالتكذيب ﴿ومنهم من لا يؤمن به﴾ في نفسه لغباوته وقلة تدبره، أو منهم من يؤمن به في المستقبل بأن يتوب عن الكفر ويبدله بالإيمان، ومنهم من يصر ويستمرّ على الكفر، وإنما فسرت هذه الآية بهذين التأويلين؛ لأنّ كلمة يؤمن تصلح للحال والاستقبال ﴿وربك أعلم بالمفسدين﴾ أي: المعاندين على التفسير الأوّل، والمصرين على التفسير الثاني، وفي ذلك تهديد لهم.
(٣/٤٦)
---