تنبيه: أي: بمعنى نعم وهو من لوازم القسم، ولذلك توصل بواوه في التصديق فيقال: إي والله، ولا ينطقون به وحده. ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي: بفائتين العذاب؛ لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
(٣/٥٦)
---
﴿ولو أنّ لكل نفس ظلمت﴾ أي: أشركت ﴿ما في الأرض﴾ من الأموال ﴿لافتدت به﴾ من عذاب يوم القيامة ولم ينفعها الفداء لقوله تعالى ﴿ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون﴾ (البقرة، ٤٨). ﴿وأسروا الندامة لما رأوا العذاب﴾ أي: حين عاينوه وأبصروه صاروا مبهوتين متحيرين فلم يطيقوا عنده بكاءً ولا صراخاً سوى إسرار الندم كالحال فيمن ذهب به ليصلب؛ فإنه يبقى مبهوتاً متحيراً لا ينطق بكلمة. وقيل: إنهم أخلصوا لله في تلك الندامة، ومن أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم؛ لأنهم إنما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوا به في دار الدنيا وقت التكليف، وقيل: المراد بالإسرار الإظهار، وهو من الأضداد؛ لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة، وفي القيامة بطل هذا فوجب الإظهار وليس هناك تخلد. فإن قيل: أسرّوا جاء على لفظ الماضي والقيامة من الأمور المستقبلة أجيب: بأنها لما كانت واجبة الوقوع جعل الله مستقبلها كالماضي. ﴿وقضي بينهم﴾ أي: بين الخلائق ﴿بالقسط﴾ أي: بالعدل ﴿وهم لا يظلمون﴾.
فإن قيل: هذه الآية مكرّرة؟ أجيب: بأنّ الأولى في القضاء بين الأنبياء وتكذيبهم وهذه عامّة. وقيل: بين المؤمنين والكفار. وقيل: بين الرؤساء والأتباع، فإنّ الكفار وإن اشتركوا في العذاب فلا بدّ أن يقضي الله تعالى بينهم؛ لأنه لا يمتنع أن يكون قد ظلم بعضهم بعضاً في الدنيا وخانه، فيكون في ذلك القضاء تخفيف عذاب بعضهم وتثقيل لعذاب الباقين؛ لأنّ العدل يقتضي أن ينصف المظلومين من الظالمين، ولا سبيل إليه إلا أن يخفف من عذاب المظلومين، ويثقل في عذاب الظالمين. وقوله تعالى:
(٣/٥٨)
---