﴿إلا كنا عليكم شهودا﴾ أي: رقباء نحصي عليكم أعمالكم؛ لأنّ الله تعالى رقيب على كل شيء وعالم بكل شيء إذ لا محدث ولا خالق ولا موجد إلا الله تعالى، فكل ما يدخل في الوجود هنا من أحوال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة داخل في علمه وشاهد عليه ﴿إذ تفيضون﴾ أي: الله شاهد عليكم حين تدخلون وتخوضون ﴿فيه﴾ أي: ذلك العمل. وقيل: الإفاضة الدفع بكثرة. وقال الزجاج: إذ تنتشرون فيه، يقال: أفاض القوم في الحديث إذا انتشروا فيه ﴿وما يعزب﴾ أي: يغيب ﴿عن ربك﴾ يا محمد ﴿من مثقال﴾ أي: وزن ﴿ذرّة﴾ وهي النملة الحمراء الصغيرة خفيفة الوزن جدّاً. وقيل: المراد بها الهباء وهو الشيء المنبث الذي تراه في البيت في ضوء الشمس. وقرأ الكسائي بكسر الزاي والباقون بالضم، ومن صلة على القراءتين، وإنما قيد بقوله تعالى: ﴿في الأرض ولا في السماء﴾ تقريباً لعقول العامّة. فإن قيل: لم قدّم ذكر الأرض على السماء، وقدم ذكر السماء على الأرض في سورة سبأ حيث قال تعالى: ﴿ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض﴾ فما فائدة ذلك؟ أجيب: بأنّ الكلام هنا في حال أهلها، والمقصود منه هو البرهان على إحاطة علمه، على أنّ العطف بالواو حكمه حكم التثنية ﴿ولا أصغر من ذلك﴾ أي: الذرّة ﴿ولا أكبر﴾ أي: منها ﴿إلا في كتاب مبين﴾ أي: بين وهو اللوح المحفوظ. وقرأ حمزة برفع الراء من أصغر وأكبر على الابتداء والخبر، والباقون بالنصب على أنّ ذلك اسم لا وفي كتاب خبرها
﴿ألا إنّ أولياء الله﴾ أي: الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة ﴿لا خوف عليهم﴾ من لحوق مكروه ﴿ولا هم يحزنون﴾ بفوات مأمول، وفسرهم بقوله تعالى:
(٣/٦٢)
---