﴿لهم البشرى﴾ أي: الكاملة ﴿في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ أمّا البشرى في الدنيا ففسرت بأشياء منها: الرؤيا الصالحة، فقد ورد أنه ﷺ قال: «البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له». وقال ﷺ «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» وقال: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليتعوّذ منه وليبصق عن شماله ثلاث مرّات فإنه لا يضرّه». وقال: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» ومنها: محبة الناس له، وذكرهم إياه في الثناء الحسن. وعن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، إنّ الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن». ومنها: البشرى لهم عند الموت، قال تعالى: ﴿تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة﴾ (فصلت، ٣٠). وأمّا البشرى في الآخرة فتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة، وما يرونه من بياض وجوههم، وإعطاء الصحائف بأيمانهم، وما يقرؤون منها، وسلام الله تعالى عليهم كما قال تعالى: ﴿سلامٌ قولاً من ربَ رحيم﴾ (يس، ٥٨) وغير ذلك من المبشرات بما بشر الله تعالى به عباده المتقين في كتابه، وعلى ألسنة أنبيائه من جنته وكريم ثوابه، فإن لفظ البشارة مشتق من خبر سار يظهر أثره في بشرة الوجه، فكل ما كان كذلك دخل في هذه الآية، ثم إنه تعالى لما ذكر صفة أوليائه وشرح أحوالهم قال تعالى: ﴿لا تبديل﴾ أي: بوجه من الوجوه ﴿لكلمات الله﴾ أي: لا تغيير لأقواله ولا إخلاف لمواعيده، والكلمة والقول سواء، ونظيره قوله تعالى: ﴿ما يبدّل القول لديّ﴾ (ق، ٢٩). وقوله تعالى: ﴿ذلك﴾ إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين ﴿هو الفوز العظيم﴾ هذه الجملة والتي قبلها اعتراض لتحقق المبشر به وتعظيم شأنه، وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله.
(٣/٦٤)
---