القصة الثانية: قصة موسى عليه السلام المذكورة بقوله تعالى:
﴿ثم بعثنا من بعدهم﴾ أي: هؤلاء الرسل ﴿موسى وهارون إلى فرعون وملئه﴾ أي: أشراف قومه وغيرهم تبع لهم، فهو مرسل إلى الجميع ﴿بآياتنا﴾ التسع ﴿فاستكبروا﴾ عن اتباعها والإيمان بها، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبيينها ويتعظموا عن قبولها ﴿وكانوا قوماً مجرمين﴾ أي: كفاراً ذوي آثام عظام، فلذلك استكبروا عنها واجترؤوا عن ردّها.
﴿فلما جاءهم الحق﴾ أي: جاء فرعون وقومه ﴿من عندنا﴾ أي: الذي جاء به موسى من عند ربه، وعرفوا أنه ليس من عند موسى وهارون لتظاهر المعجزات الظاهرات المزيحة للشك ﴿قالوا﴾ أي: غير متأملين له ولا ناظرين في أمره لفرط تمرّدهم ﴿إن هذا لسحر مبين﴾ أي: بين ظاهر يعرفه كل أحد، وهم يعلمون أنّ الحق أبعد شيء من السحر الذي لا يظهر إلا على كافر أو فاسق، وقوله تعالى:
﴿قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا﴾ فيه حذف تقديره: أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا، فحذف السحر الأوّل اكتفاء بدلالة الكلام عليه، ثم قال أسحر هذا؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار بمعنى أنه ليس بسحر، ثم احتج على صحة قوله تعالى فقال: ﴿ولا يفلح الساحرون﴾ فإنه لو كان سحراً لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة، فقلب العصا حية، وفلق البحر معلوم بالضرورة أنه ليس من باب التمويه والتخييل، فثبت أنه ليس بسحر ﴿قالوا﴾ أي: قوم فرعون لموسى ﴿أجئتنا لتلفتنا﴾ أي: لتردّنا وتصرفنا واللفت والفتل أخوان ﴿عما وجدنا عليه آباءنا﴾ أي: من الدين وعبادة الأصنام، ثم قالوا لموسى وهارون ﴿وتكون لكما الكبرياء﴾ أي: الملك والعز ﴿في الأرض﴾ أي: أرض مصر. قال الزجاج: سمى الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وأيضاً الملوك موصوفون بالكبر، ولهذا وصف ابن الرقيات مصعباً في قوله:
*ملكه ملك رأفة ليس فيه ** جبروت منه ولا كبرياء
(٣/٧٣)
---