جمع عوان ﴿بين ذلك﴾ أي: بين ما ذكر من الفارض والبكر.
فإن قيل: بين يقتضي شيئين فصاعداً فمن أين جاز دخوله على ذلك؟ أجيب: بأنه في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر كما تقرّر وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أنّ المراد بها معينة ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب بالأمر ومن أنكر ذلك زعم أنّ المراد بها بقرة من جانب البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم ويلزمه النسخ قبل الفعل فإن التخصيص إبطال التخيير الثابت بالنص والحق جواز تأخير البيان عن الوقت المذكور والنسخ قبل الفعل ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ والمروي عنه عليه الصلاة والسلام: لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم وتقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة بقوله: ﴿فافعلوا ما تؤمرون﴾ به من ذبحها.
﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال﴾ موسى ﴿إنه﴾ أي: ربي ﴿يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها﴾ أي: شديد الصفرة ولذلك تؤكد به الصفرة فيقال: أصفر فاقع كما يقال: أسود حالك، وعن الحسن: سوداء شديدة السواد وبه فسر قوله تعالى: ﴿جمالات صفر﴾ (المرسلات، ٣٣) قال البيضاويّ: ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنه من مقدّماته، قال البغويّ: والأوّل أصح لأنه لا يقال أسود فاقع إنما يقال: أصفر فاقع، وأسود حالك وأخضر ناصح ﴿تسرّ الناظرين﴾ إليها أي: يعجبهم حسنها وصفاء لونها، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه.
﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي﴾ أي: أسالمة أم عاملة؟ وعلى هذا فليس تكراراً للسؤال الأوّل ﴿إنّ البقر﴾ أي: جنسه المنعوت كما ذكر ﴿تشابه﴾ أي: التبس واشتبه أمره ﴿علينا﴾ لكثرته فلم يهتدوا إلى المقصود.
(١/١٥٢)
---