﴿وإلى عاد﴾ أي: وأرسلنا إلى عاد ﴿أخاهم﴾ فهو معطوف على قوله تعالى نوحاً، وقوله تعالى: ﴿هوداً﴾ عطف بيان ومعلوم أنّ تلك الأخوة ما كانت في الدين، وإنما كانت في النسب لأنّ هوداً كان رجلاً من قبيلة عاد قبيلة من العرب كانوا بناحية اليمن. فإن قيل: إنه تعالى قال في ابن نوح إنه ليس من أهلك فبيّن أنّ قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين، وهنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين؟ أجيب: بأنّ قوم محمد ﷺ كانوا يستبعدون أن يكون رسولاً من عند الله تعالى مع أنه واحد من قبيلتهم، فذكر الله تعالى أنّ هوداً كان واحداً من عاد، وأنّ صالحاً كان واحداً من ثمود لإزالة هذا الاستبعاد، ولما تقدّم أمر نوح عليه السلام مع قومه استشرف السامع إلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أولاً؟ فاستأنف الجواب بقوله: ﴿قال يا قوم اعبدوا الله﴾ أي: وحدوه ولا تشركوا معه شيئاً في العبادة. ﴿ما لكم من إله غيره﴾ أي: هو إلهكم؛ لأنّ هذه الأصنام التي تعبدونها حجارة لا تضر ولا تنفع. فإن قيل: كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل إقامة الدليل على ثبوت الإله؟ أجيب: بأنّ دلائل وجود الله تعالى ظاهرة وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما يوجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار: ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله﴾ (لقمان، ٢٥). وقرأ الكسائي بكسر الراء والهاء صفة على اللفظ والباقون بالرفع صفة على محل الجار والمجرور ومن زائدة ﴿إن أنتم إلا مفترون﴾ أي: كاذبون في عبادتكم غيره. وكرر قوله:
﴿يا قوم﴾ للاستعطاف، وقوله: ﴿لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني﴾ أي: خلقني، خاطب به كل رسول قومه إزالة للتهمة وتمحيضاً للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع ﴿أفلا تعقلون﴾ أي: افلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ فتتعظون. ثم قال:
(٣/١٥١)
---