﴿إني توكلت على الله ربي وربكم﴾ أي: فوضت أمري إليه واعتمدت عليه ﴿ما من دابة﴾ تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان؛ لأنّهم يدبون على الأرض. ﴿إلا هو آخذ بناصيتها﴾ أي: مالكها وقاهرها فلا يقع نفع ولا ضر إلا بإذنه والناصية كما قال الأزهري: عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس، وسمي الشعر النابت هنا ناصية باسم منبته، والعرب إذا وصفوا إنساناً بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره، فخوطبوا في القرآن بما يعرفون من كلامهم ﴿إن ربي على صرط مستقيم﴾ أي: طريق الحق والعدل فلا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقوله تعالى:
(٣/١٥٤)
---
﴿فإن تولّوا﴾ فيه حذف إحدى التاءين، أي: تعرضوا ﴿فقد أبلغتكم﴾ جميع ﴿ما أرسلت به إليكم﴾ فإن قيل: الإبلاغ كان قبل التولي فكيف وقع جزاء للشرط؟ أجيب: بأنّ معناه فإن تتولوا لم أعاتب على تقصير من جهتي وصرتم محجوجين؛ لأنكم أنتم الذين أصررتم على التكذيب وقوله ﴿ويستخلف ربي قوماً غيركم﴾ استئناف بالوعيد لهم بأنّ الله تعالى يهلكهم ويستخلف قوماً آخرين في ديارهم وأموالهم يوحدونه تعالى ويعبدونه ﴿ولا تضرّونه﴾ أي: الله بإشراككم ﴿شيئاً﴾ من الضرر إنما تضرون أنفسكم. وقيل: لا تنقصونه شيئاً إذا أهلككم؛ لأنّ وجودكم وعدمكم عنده سواء ﴿إنّ ربي على كلِّ شيء﴾ صغير أو كبير، حقير أو جليل.
﴿حفيظ﴾، أي: رقيب عالم بكل شيء وقادر على كل شيء فيحفظني أن تنالوني بسوء أو حفيظ لأعمال العباد حتى يجازيهم عليها، أو حفيظ على كل شيء يحفظه من الهلاك إذا شاء ويهلكه إذا شاء.
(٣/١٥٥)
---


الصفحة التالية
Icon