ولما بيّن لهم عليه السلام عظمة الله تعالى بين لهم طريق الرجوع إليه بقوله: ﴿فاستغفروه﴾، أي: آمنوا به ﴿ثم توبوا إليه﴾ من عبادة غيره؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان وقد مرّ مثل ذلك ﴿إنّ ربي قريب﴾ من خلقه بعلمه لكل من أقبل عليه من غير حاجة إلى حركة ﴿مجيب﴾ لكل من ناداه لا كمعبوداتكم في الأمرين. ولما قرّر لهم عليه السلام هذه الدلائل.
﴿قالوا﴾ له ﴿يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا﴾، أي: القول الذي جئت به لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد، فإنك كنت تعطف على فقيرنا وتعين ضعيفنا وتعود مرضانا، فقوي رجاؤنا فيك أن تنصر ديننا فكيف أظهرت العداوة؟. ثم إنهم أضافوا إلى هذا التعجب الشديد فقالوا: ﴿أتنهانا أن نعبد ما﴾ كان ﴿يعبد آباؤنا﴾ من الآلهة، ومقصودهم بذلك التمسك بطرف التقليد ووجوب متابعة الآباء والأسلاف، ونظير هذا التعجب ما حكاه الله تعالى عن كفار مكة حيث قالوا: ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب﴾ (ص، ٥) ثم قالوا: ﴿وإننا لفي شك مما تدعونا إليه﴾ من التوحيد وترك عبادة الأصنام ﴿مريب﴾، أي: موقع في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين، والرجاء: تعلق النفس بمجيء الخير على جهة الظنّ، ونظيره الأمل والطمع، والنهي: المنع من الفعل بصيغة لا تفعل. وقولهم هذا مبالغة في تزييف كلامه ﴿قال﴾ صالح عليه السلام مجيباً لهم ﴿يا قوم أرأيتم﴾، أي: أخبروني ﴿إن كنت على بيّنة﴾، أي: بيان وبصيرة ﴿من ربي﴾ وأتى بحرف الشك على سبيل الجزم ليلائم الخطاب حال المخاطبين ﴿وآتاني منه رحمة﴾، أي: نبوّة ورسالة ﴿فمن ينصرني﴾، أي: يمنعني ﴿من الله﴾، أي: عذابه ﴿إن عصيته﴾، أي: إن خالفت أمره في تبليغ رسالته والمنع عن الإشراك به ﴿فما تزيدونني﴾، أي: بأمركم لي بذلك ﴿غير تخسير﴾، أي: غير تضليل. قال الحسن بن الفضل: لم يكن صالح في خسارة حتى يقول فما تزيدونني غير تخسير، وإنما المعنى فما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إياكم