﴿وإلى مدين﴾، أي: وأرسلنا إلى مدين وهم قبيلة؛ أبوهم مدين بن إبراهيم عليه السلام. وقيل: هو اسم مدينة بناها مدين المذكور، وعلى هذا فالتقدير: وأرسلنا إلى أهل مدين، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه، ﴿أخاهم﴾، أي: في النسب لا في الدين و﴿شعيباً﴾ عطف بيان وكأنّ قائلاً قال: فما قال لهم؟ فقيل: ﴿قال﴾ ما قال إخوته من الأنبياء في البداءة بأصل الدين. ﴿يا قوم﴾ مستعطفاً لهم مظهراً غاية الشفقة ﴿اعبدوا الله﴾، أي: وحدوه ولا تشركوا به شيئاً ﴿ما لكم من إله غيره﴾ فلقد اتفقت كما ترى كلمتهم، واتحدت إلى الله تعالى دعوتهم، وهذا وحده قطعي الدلالة على صدق كل منهم لما علم قطعاً من تباعد أعصارهم، وتنائي ديارهم، وإن بعضهم لم يلمّ بالعلوم، ولا عرف أخبار الناس إلا من الحيّ القيوم، ولما دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين الله تعالى دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين عبيده في أقبح ما كانوا اتخذوه بعد الشرك تديناً فقال: ﴿ولا تنقصوا﴾ بوجه من الوجوه ﴿المكيال والميزان﴾، أي: لا الكيل ولا آلته ولا الوزن ولا آلته، والكيل تعديل الشيء بالآلة في القلة والكثرة، والوزن تعديله في الخفة والثقل، فالكيل العدل في الكمية والوزن العدل في الكيفية، ثم علل ذلك بقوله: ﴿إني أراكم بخير﴾، أي: بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف. قال ابن عباس: كانوا موسرين في نعمة. وقال مجاهد: كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحلول النقمة إن لم يؤمنوا ويتوبوا وهو قوله: ﴿وإني أخاف عليكم﴾ إن لم تؤمنوا ﴿عذاب
(٣/١٧٧)
---
يوم محيط﴾
، أي: يحيط بكم فيهلككم جميعاً وهو عذاب الاستئصال في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، ومنه قوله تعالى: ﴿وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ () والمحيط من صفة اليوم في الظاهر، وفي المعنى من صفة العذاب وذلك مجاز مشهور، كقوله: ﴿هذا يوم عصيب﴾ (هود، ٧٧).


الصفحة التالية
Icon