﴿يوم يأت﴾ ذلك اليوم ﴿لا تكلم﴾ فيه حذف إحدى التاءين، أي: لا تتكلم ﴿نفس إلا بإذنه﴾ تعالى. وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء بعد التاء من يأتي وصلاً ووقفاً وحذفها الباقون، وأمّا التاء من تكلم فشدّدها البزي في الوصل وخففها الباقون. فإن قيل: كيف يوفق بين قوله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها﴾ (النحل، ١١١) وقوله تعالى: ﴿هذا يوم ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾؟ أجيب: بأنّ ذلك اليوم يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام ولا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم ﴿فمنهم﴾، أي: الناس ﴿شقيّ و﴾ منهم ﴿سعيد﴾، أي: فمنهم من سبقت له الشقاوة فوجبت له النار بمقتضى الوعيد، ومنهم من سبقت له السعادة فوجبت له الجنة بموجب الوعد، وعن عليَ رضي الله تعالى عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله وبيده مخصرة ثم نكت بها الأرض ساعة، ثم قال: «ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها من الجنة أو النار فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أمّا من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ ﴿فأمّا من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى﴾ (الليل، ٥، ٦، ٧) الآية». وبقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة الشريفة ومدفنهم فيه، والمخصرة كالسوط والعصا مما يمسكه الإنسان بيده، والنكت بالنون والتاء المثناة من فوق ضرب الشيء بتلك المخصرة أو باليد أو نحو ذلك حتى يؤثر فيه.
(٣/١٩٢)
---


الصفحة التالية
Icon