«شيبتني هود وأخواتها»، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما نزلت على النبيّ ﷺ آية أشدّ ولا أشق من هذه الآية، وعن بعضهم: رأيت رسول الله ﷺ في النوم فقلت له: يروى عنك أنك قلت: «شيبتني هود» فقال: نعم. فقلت: بأيّ آية قال: «قوله تعالى ﴿فاستقم كما أمرت﴾. وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك؟ قال: «قل آمنت بالله ورسوله ثم استقم». قال الإمام الرازي: إن هذه الآية أصل عظيم في الشريعة، وذلك لأنّ القرآن لما ورد بالأمر بأعمال الوضوء مرتبة في اللفظ وجب اعتبار الترتيب فيها لقوله تعالى: ﴿فاستقم كما أمرت﴾ ولما ورد الأمر في الزكاة بأداء الإبل من الإبل والبقر من البقر وجب اعتبارها، وكذا القول في كل ما ورد أمر الله تعالى به انتهى. ولما كانت الاستقامة هي التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط نهى عن الإفراط بقوله تعالى: ﴿ولا تطغوا﴾، أي: لا تتجاوزوا الحد فيما أمرتم به أو نهيتم عنه بالزيادة إفراطاً، فإن الله تعالى إنما أمركم ونهاكم لتهذيب أنفسكم لا لحاجته إلى ذلك، ولن تطيقوا أن تقدروا الله حق قدره والدين متين لم يشادّه أحد إلا غلبه، كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ ﷺ قال: «إنّ الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»، فقوله ﷺ : إنّ الدين يسر ضدّ العسر أراد به التسهيل في الدين وترك التشديد فإنّ هذا الدين مع يسره وسهولته قوي فلن يغالب ولن يقاوى. وقوله وسدّدوا، أي: اقصدوا السداد في الأمور وهو الصواب وقاربوا، أي: اطلبوا المقاربة وهي القصد الذي لا غلوّ فيه ولا تقصير، والغدوة الرواح بكرة، والرواح الرجوع عشاء. والمراد منه: اعملوا بالنهار واعملوا بالليل أيضاً. وقوله: واستعينوا بشيء من الدلجة إشارة إلى تقليله،


الصفحة التالية
Icon