وقوله ﴿فصبر جميل﴾ يدل على أنّ الصبر على قسمين قد يكون جميلاً، وقد يكون غير جميل، فالصبر الجميل أن ينكشف له أنّ هذا البلاء، من الحق فاستغراقه في شهود نور المبلي يمنعه من الاشتغال بالشكاية من البلاء ولذلك قيل: المحبة التامّة لا تزداد بالوفاء ولا تنقص بالجفاء؛ لأنها لو ازدادت بالوفاء لكان المحبوب هو النصيب و الخط و موصل النصيب لا يكون محبوباً بالذات بل بالعرض، فهذا هو الصبر الجميل وأمّا الصبر لا للرضا بقضاء الله تعالى بل كان لسائر الأغراض فذلك الصبر لا يكون جميلاً. فإن قيل: الصبر على قضاء الله تعالى واجب، وأمّا الصبر على ظلم الظالمين فغير واجب، بل الواجب إزالته لا سيما في الضرر العائد إلى الغير، فلم صبر يعقوب على ذلك ولم يبالغ في البحث مع شدّة رغبته في حضور يوسف ونهاية حبه له وكان من بيت عظيم شريف وكان الناس يعرفونه ويعتقدون فيه؟.
أجيب: بأنه يحتمل أن يكون منع من الطلب بوحي تشديداً للمحنة عليه زيادةً في أجره، أو أنه لو بالغ في البحث لربما أقدموا على إيذائه ولم يمكنوه من الطلب والفحص فرأى أنّ الأصوب الصبر والسكوت وتفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى وقال: ﴿والله المستعان﴾، أي: المطلوب منه العون ﴿على ما تصفون﴾، أي: تذكرون من أمر يوسف، والمعنى أنّ إقدامه على الصبر لا يكون إلا بمعونة الله تعالى؛ لأنّ الدواعي النفسانية تدعوه إلى إظهار الجزع، وهي قوية والدواعي الروحانية تدعوه إلى الصبر، فكأنّ المحاربة وقعت بين الصنفين فما لم تحصل إعانة الله تعالى لم تحصل الغلبة، فقوله: ﴿فصبر جميل﴾ يجري مجرى قوله: ﴿إياك نعبد﴾ (الفاتحة، ٤) وقوله: ﴿والله المستعان على ما تصفون﴾ يجري مجرى قوله: ﴿وإياك نستعين﴾ (الفاتحة، ٥).
ولما أراد الله تعالى خلاص يوسف من الجب بين سببه بقوله تعالى:
(٣/٢٣١)
---