﴿واستبقا الباب﴾، أي: أوجد المسابقة بغاية الرغبة من كل منهما هذا للهرب منها، وهذه لمنعه، فكل منهما بذل أقصى جهده في السبق، فلحقته عند الباب الأقصى مع أنه قد كان سبقها بقوّة الرجولية وقوّة الداعية إلى الفرار إلى الله تعالى، ولكن عاقه إتقانها للمكر بكون الأبواب كانت مغلقة فكان يشتغل بفتحها فتعلقت بأدنى ما وصلت إليه من قميصه وهو ما كان من ورائه خوف فواته فاشتد تعلقها به مع إعراضه هو عنها وهربه منها ففتحه فأراد الخروج فمنعته ﴿و﴾ لم تزل تنازعه حتى ﴿قدّت﴾، أي: شقت ﴿قميصه﴾ وكان القدّ ﴿من دبر﴾، أي: الناحية من الخلف منه، وانقطعت منه قطعة فبقيت في يدها ﴿وألفيا﴾، أي: وجدا ﴿سيدها﴾، أي: زوجها قطفير وهو العزيز تقول المرأة لبعلها: سيدي ولم يقل: سيدهما؛ لأنّ ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيداً له على الحقيقة ﴿لدى﴾، أي: عند ﴿الباب﴾ جالساً مع ابن عمّ المرأة. فإن قيل: كيف وحد الباب وقد جمعه في قوله: ﴿وغلقت الأبواب﴾؟ أجيب:. بأنه أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار والمخلص من العار، فقد روى كعب الأحبار: أنّ يوسف لما هرب جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الأبواب فلما رأت المرأة ابن عمها هابته وخافت التهمة فسابقت يوسف بالقول و﴿قالت﴾ لزوجها ﴿ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً﴾، أي: فاحشة زنا أو غيره، ثم خافت عليه أن يقتل وذلك لشدّة حبها له فقالت: ﴿إلا أن يسجن﴾، أي: يحبس في السجن ويمنع التصرّف ﴿أو عذاب أليم﴾، أي: مؤلم بأن يضرب بالسياط ونحوها، وإنما بدأت بالسجن قبل العذاب؛ لأنّ المحب لا يشتهي إيلام المحبوب، وإنما أرادت أن يسجن عندها يوماً أو يومين ولم ترد السجن الطويل فإنه لا يعبر عنه بهذه العبارة، بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين، ألا ترى أن فرعون هكذا قال في حق موسى عليه السلام في قوله: ﴿لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين﴾ (الشعراء، ٢٩). فلما سمع يوسف عليه السلام مقالتها
(٣/٢٤٥)
---