وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند الشين، والباقون بالإدغام ﴿إنا لنراها﴾، أي: نعلم أمرها علماً هو كالرؤية ﴿في ضلال﴾، أي: خطأ ﴿مبين﴾، أي: بين ظاهر حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفاف والستر بسبب حبها إياه.
﴿فلما سمعت﴾ زليخا ﴿بمكرهنّ﴾، أي: قولهن وإنما سمي ذلك مكراً لوجوه:
الأوّل أنّ النسوة إنما ذكرن ذلك الكلام استدعاءً لرؤية يوسف عليه السلام، والنظر إلى وجهه؛ لأنهنّ عرفن أنهنّ إذا قلن ذلك عرضت يوسف عليهنّ ليتمهد عذرها عندهنّ.
الثاني: أنّ زليخا أسرّت إليهنّ حبها ليوسف عليه السلام وطلبت منهنّ كتمان هذا السرّ فلما أظهرن السرّ كان ذلك مكراً.
الثالث: أنهنّ وقعنّ في غيبتها والغيبة إنما تذكر على سبيل الخفية فأشبهت المكر ﴿أرسلت إليهنّ﴾ تدعوهنّ لتقيم عذرها عندهنّ. قال وهب: اتخذت مأدبة ودعت أربعين امرأة من أشراف مدينتها فيهنّ الخمس ﴿وأعتدت﴾، أي: أعددت ﴿لهنَّ متكأً﴾، أي: طعاماً يقطع بالسكين، وهو الأترج وإنما سمي الطعام متكأً؛ لأنه يتكأ عنده. قال جميل:
*فظللنا بنعمة واتكأنا ** وشربنا الحلال من قلله
والمتكأ ما يتكأ عليه عند الطعام والشراب والحديث؛ لأنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب والحديث كعادة المترفين، ولذلك جاء النهي عنه في الحديث أن يأكل الرجل متكئاً. وقال ﷺ «لا آكل متكئاً» وقيل: إنها زينت البيت بألوان الفواكه والأطعمة ووضعت الوسائد ودعت النسوة اللاتي عيرنها بحب يوسف عليه السلام ﴿وآتت﴾، أي: أعطت ﴿كل واحدة منهنَّ سكيناً﴾، أي: لتأكل بها، وكانت عادتهنّ أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين ﴿وقالت﴾ زليخا ليوسف عليه السلام ﴿اخرج عليهنّ﴾، أي: النسوة، وكان يخاف من مخالفتها فخرج عليهنّ يوسف وكانت قد زينته واختبأته في مكان.
(٣/٢٤٩)
---


الصفحة التالية
Icon