﴿قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه﴾ وإن كان هذا مما تشتهيه النفس، وذلك مما تكرهه نظراً إلى العاقبة، فإنّ الأوّل فيه الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة، والثاني فيه المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة. فإن قيل: إنّ الدعاء كان منها فلم أضافه إليهنّ جميعاً؟ أجيب: بأنهنّ خوّفنه من مخالفتها وزين له مطاوعتها، وقيل: إنهنّ دعونه إلى أنفسهنّ. قال بعض العلماء لو لم يقل السجن، أحب إليّ لم يبتل بالسجن والأولى بالعبد أن يسأل الله تعالى العافية، ولذلك ردّ رسول الله ﷺ على من كان يسأل الله الصبر بقوله له: «سألت الله البلاء فاسأله العافية» رواه الترمذي ﴿وإلا﴾، أي: وإن لم ﴿تصرف عني كيدهنّ﴾، أي: فيما أردن مني بالتثبيت على العصمة ﴿أصب﴾، أي: أمل ﴿إليهنّ﴾ يقال: صبا فلان إلى كذا إذا مال إليه واشتاقه ﴿وأكن﴾، أي: أصر ﴿من الجاهلين﴾، أي: من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه، فإن الحكيم لا يفعل القبيح وفي ذلك دليل على أن من ارتكب ذنباً إنما يرتكبه عن جهالة، والقصد بذلك الدعاء ولذلك قال تعالى:
﴿فاستجاب له ربه﴾، أي: فأجاب الله تعالى دعاءه الذي تضمنه هذا الثناء؛ لأنّ الكريم يغنيه التلويح عن التصريح كما قيل:
*إذا أثنى عليك المرء يوماً ** كفاك من تعرّضه الثناء
﴿فصرف عنه كيدهن﴾، أي: فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان ﴿إنه هو السميع﴾، أي: لدعاء الملتجئين إليه ﴿العليم﴾، أي: للضمائر والنيات فيجيب ما صح فيه القصد وطاب منه العزم.
(٣/٢٥٣)
---