﴿وقال الذي نجا﴾، أي: خلص ﴿منهما﴾، أي: من صاحبي السجن وهو الشرابي إنّ في الحبس رجلاً فاضلاً صالحاً كثير العلم كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما فصدق في كل ما ذكر وما أخطأ في حرف، فكانت هذه الرؤيا سبباً لخلاص يوسف عليه السلام، ولم يتذكر الشرابي إلا بعد طول المدّة كما قال تعالى: ﴿وادّكر﴾ بالدال المهملة، أي: طلب الذكر بالذال المعجمة وزنه افتعل ﴿بعد أمّة﴾، أي: وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة، أي: مدّة طويلة، والجملة اعتراض ومقول القول ﴿أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون﴾، أي: إلى يوسف عليه السلام فإنه أعلم الناس فأرسلوه إليه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ولم يكن السجن بالمدينة فأتاه، فقال الساقي المرسل إليه منادياً له نداء القرب تحبباً إليه:
(٣/٢٦٥)
---
﴿يوسف﴾ وزاد في التحبب بقوله ﴿أيها الصدّيق﴾، أي: البليغ في الصدق والتصديق؛ لأنه جرّب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه، وهذا يدل على أنّ من أراد أن يتعلم من رجل شيئاً فإنه يجب عليه أن يعظمه وأن يخاطبه بالألفاظ المشعرة بالإجلال، ثم إنه أعاد السؤال يعني اللفظ الذي ذكره الملك فقال: ﴿أفتنا﴾، أي: اذكر لنا الحكم ﴿في سبع بقرات سمان﴾، أي: رآهنّ الملك ﴿يأكلهنّ سبع﴾ من البقر ﴿عجاف و﴾ في ﴿سبع سنبلات﴾ جمع سنبلة وهي مجمع الحب من الزرع ﴿خضر و﴾ في سبع ﴿أخر﴾ من السنابل ﴿يابسات﴾، أي: في رؤيا ذلك، ونعم ما فعل من ذكر السؤال بعين اللفظ، فإنّ نفس الرؤيا قد تختلف بحسب اختلاف الألفاظ كما هو مذكور في ذلك العلم ثم قال: ﴿لعلي أرجع إلى الناس﴾، أي: إلى الملك وجماعته بفتواك قبل مانع يمنعني ﴿لعلهم يرجعون﴾، أي: بتأويل هذه الرؤيا، وقيل: بمنزلتك في العلم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بفتح الياء، والباقون بالسكون.
(٣/٢٦٦)
---