(٣/٢٧٠)
---
ولما قال يوسف عليه السلام ذلك وأبى أن يخرج من السجن قبل تبين الأمر رجع الرسول إلى الملك فأخبره بما قال عليه السلام فكأنه قيل: فما فعل الملك؟ فقيل:
﴿قال﴾ للنسوة بعد أن جمعهنّ وامرأة العزيز معهنّ ﴿ما خطبكنّ﴾، أي: ما شأنكنّ العظيم وقوله: ﴿إذ راودتنّ﴾، أي: خادعتنّ ﴿يوسف عن نفسه﴾ دليل على أنّ براءته كانت متحققة عند كل من علم القصة، وإنما خاطب الملك جميع النسوة بهذا الخطاب، والمراد بذلك امرأة العزيز وحدها ليكون أستر لها، وقيل: إنّ امرأة العزيز راودته عن نفسه وسائر النسوة أمرنه بطاعتها فلذلك خاطبهنّ فكأنه قيل فما قلن؟ قيل: ﴿قلن حاش لله﴾، أي: عياذاً بالملك الأعظم وتنزيهاً له من هذا الأمر ﴿ما علمنا عليه﴾، أي: يوسف عليه السلام وأغرقن في النفي فقلن ﴿من سوء﴾، أي: من خيانة في شيء من الأشياء، ولما أنّ يوسف عليه السلام راعى جانب امرأة العزيز حيث قال: ﴿ما بال النسوة اللاتي قطعنّ أيديهنّ﴾ (يوسف، ٥٠) فذكرهنّ ولم يذكر تلك المرأة البتة وعرفت المرأة أنه إنما ترك ذكرها رعاية لحقها وتعظيماً لجانبها وإخفاء للأمر عنها أرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن، فلا جرم أزالت الغطاء والوطاء فلذلك ﴿قالت امرأت العزيز﴾ مصرحة بحقيقة الحال ﴿الآن حصحص الحق﴾، أي: ظهر وتبين ﴿أنا راودته﴾، أي: خادعته ﴿عن نفسه﴾ وأكدت ما أفصحت به مدحاً ونفياً لكل سوء بقولها مؤكداً لأجل ما تقدّم ﴿وإنه لمن الصادقين﴾، أي: الغريقين في هذا الوصف في نسبة المراودة إليّ، وتبرئة نفسه، فقد شهد النسوة كلهنّ ببراءته، وإنه لم يقع منه ما ينسب به إلى شيء من السوء البتة، فمن نسب بعد ذلك هما أو غيره فهو تابع لمجرّد الهوى في نبيّ من المخلصين.
(٣/٢٧١)
---