﴿قل﴾ لهم ﴿إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة﴾ أي: خاصة ﴿من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾ في قولكم وذلك أنّ اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم: ﴿لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة﴾ (البقرة، ٨٠) ﴿ولن يدخل الجنة إلا من كان هوداً﴾ (البقرة، ١١١) وقولهم: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ (المائدة، ١٨) فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال: قل لهم يا محمد ذلك لأنّ من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم والتخلص من الدار ذات الشوائب. كما روي عن المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم فقد كان علي رضي الله تعالى عنه يطوف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن: ما هكذا نرى المحاربين، فقال له: يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت. وعن حذيفة أنه كان يتمنى الموت فلما احتضر قال: حبيب ـ أي: الموت ـ جاء على فاقة، أي: وقت حاجتي إليه. وقيل: بل أراد بالحبيب لقاء الله لا أفلح من ندم يعني على التمني أراد به أنه كان يتمنى الموت وما ندم على التمني حين جاء الموت. وقال عمار بصفين: الآن ألاقي الأحبة محمداً وحزبه. وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحن إليه.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبيّ ﷺ قال: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان منهم بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلا مات».
تنبيه: خالصة نصبها على الحال من الدار، أو من الضمير في خبر كان العائد إلى الدار، وتعلق بتمنوا الشرطان على أنّ الأوّل قيد في الثاني.
(١/١٧٥)
---