والنوع الثالث من عقوباتهم ما ذكره بقوله تعالى: ﴿ومأواهم﴾، أي: مرجعهم ﴿جهنم﴾ وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاشتغال بخدمة المولى عاشقين للذات الدنيا، فإذا ماتوا فارقوا معشوقهم، فيحترقون على مفارقتها، وليس عندهم شيء آخر يجبر هذه المصيبة، فلذلك كان مأواهم جهنم. ثم إنه تعالى وصف هذا المأوى بقوله عز من قائل: ﴿وبئس المهاد﴾، أي: الفراش، والمخصوص بالذم محذوف، أي: جهنم. ونزل في حمزة وأبي جهل، وقيل: في عمار وأبي جهل.
(٣/٣٧١)
---
﴿أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق﴾، أي: يؤمن به ويعمل بما فيه، وهو حمزة أو عمار رضي الله تعالى عنهما. ﴿كمن هو أعمى﴾، أي: أعمى البصيرة ولا يؤمن به ولا يعمل بما فيه وهو أبو جهل، قال ابن الخازن في تفسيره: وحمل الآية على العموم أولى، وإن كان السبب مخصوصاً، والمعنى: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن هو لا يبصر الحق ولا يتبعه، وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى؛ لأنّ الأعمى لا يهتدي لرشد ﴿إنما يتذكر﴾، أي: يتعظ ﴿أولو الألباب﴾، أي: أصحاب العقول الذين يطلبون من كل صورة معناها، ويأخذون من كل قشرة لبابها، ويعبرون من ظاهر كل حديث إلى سره ولبابه.
﴿الذين يوفون بعهد الله﴾، أي: ما عاقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا: بلى، أو ما عهد الله تعالى عليهم في كتبه. ﴿ولا ينقضون الميثاق﴾، أي: ما واثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى، وبينهم وبين العباد، فهو تعميم بعد تخصيص.