﴿وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية﴾ قال الحسن: المراد به الزكاة، فإن لم يتهم بترك الزكاة فالأولى أن يؤدّيها سرًّا، وإن كان يتهم بترك أدائها، فالأولى أن يؤدّيها علانية، وقيل: المراد بالسر صدقة التطوّع، وبالعلانية الزكاة. وقيل: المراد بالسر ما يؤدّيه من الزكاة بنفسه وبالعلانية ما يدفعه إلى الإمام. ﴿ويدرؤون﴾، أي: يدفعون ﴿بالحسنة السيئة﴾ كالجهل بالحلم والأذى بالصبر. روي عن ابن عباس قال: يدفعون بالصالح من العمل السيء من العمل، وهو معنى قوله تعالى: ﴿إنّ الحسنات يذهبن السيئات﴾ (هود، ١١٤) وقوله ﷺ «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها السر بالسر والعلانية بالعلانية». وعن عقبة بن عامر أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل عليه درع ضيق قد خنقه ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض». وقال ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سوء غيرهم. وعن الحسن إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن عمر: ليس الواصل من وصل، ثم وصل تلك مجازاة لكن من قطع ثم وصل وعطف من لم يصله، وليس الحليم من ظلم، ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج لكن الحليم من قدر ثم عفا. وعن ابن كيسان إذا أذنبوا تابوا، وقيل: إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره، وروي أنّ شقيقاً البلخي دخل على ابن المبارك متنكراً فقال له: من أين أنت؟ فقال: من بلخ. فقال: وهل تعرف شقيقاً؟ قال: نعم. فقال: وكيف طريقة أصحابه؟ قال: إذا منعوا صبروا وإذا أعطوا شكروا. فقال ابن المبارك: طريقة كلابنا هكذا. فقال شقيق: فكيف ينبغي أن يكون الأمر؟ فقال: الكاملون هم الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا. ﴿أولئك﴾، أي: العالو الرتبة ﴿لهم عقبى الدار﴾ وبينها تعالى بقوله:
(٣/٣٧٤)
---


الصفحة التالية
Icon