﴿والذين ينقضون عهد الله﴾، أي: فيعملون بخلاف موجبه، والنقض التفريق الذي ينفي تأليف البناء ﴿من بعد ميثاقه﴾، أي: الذي أوثقه عليهم من الإقرار والقبول ﴿ويقطعون ما﴾، أي: الذي ﴿أمر الله به أن يوصل﴾ وذلك في مقابلة قوله من قبل ﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾ (الرعد، ٢١) فجعل من صفات هؤلاء القطع بالضد من ذلك الوصل، والمراد به قطع ما يوجب الله تعالى وصله، أي: لما له من المحاسن الجلية والخفية التي هي عين الصلاح، ويدخل في ذلك وصل الرسول ﷺ بالموالاة والمعاونة، ووصل المؤمنين ووصل الأرحام، ووصل سائر من له حق ﴿ويفسدون﴾، أي: يوقعون الفساد ﴿في الأرض﴾، أي: في أي جزء كان منها بالظلم وتهييج الفتن، والدعاء إلى غير دين الله تعالى ﴿أولئك﴾أي البعداء البغضاء ﴿لهم اللعنة﴾، أي: الطرد والبعد ﴿ولهم سوء الدار﴾ والدار لهم هي جهنم، وليس لهم فيها إلا ما يسوء الصائر إليها. ولما حكم تعالى على من نقض عهده في قبول التوحيد والنبوّة بأنهم ملعونون في الدنيا ومعذبون في الآخرة، فكأنه قيل: لو كانوا أعداء الله تعالى لما فتح الله عليهم أبواب النعم واللذات في الدنيا فأجاب الله تعالى بقوله تعالى:
﴿الله يبسط الرزق﴾، أي: يوسعه ﴿لمن يشاء ويقدر﴾، أي: يضيقه على من يشاء سواء في ذلك الطائع والعاصي و لا تعلق لذلك بالكفر والإيمان فقد يوجد الكافر موسعاً عليه دون المؤمن ويوجد المؤمن موسعاً عليه دون الكافر فالدنيا دار امتحان ولما كانت السعة مظنة الفرح إلا عند من وفقه الله تعالى قال الله تعالى: ﴿وفرحوا﴾، أي: كفار مكة فرح بطر ﴿بالحياة الدنيا﴾، أي: بما نالوه فيها لا فرح سرور بفضل الله والعافية عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة ﴿وما الحياة الدنيا﴾، أي: بكمالها ﴿في الآخرة﴾، أي: في جنبها ﴿الامتاع﴾، أي: حقير متلاش يتمتع به ويذهب كعجالة الراكب وهي ما يتعجله من تميرات أو شربة ماء سويق أو نحو ذلك.