ولما كان التقدير ليس لهم على شيء من هذا برهان قاطع، ولا قول ظاهر بنى عليه قوله تعالى: ﴿بل زين﴾، أي: وقع التزيين بأمر من لا يرد أمره على يد من كان من شياطين الإنس أو شياطين الجنّ. ﴿للذين كفروا مكرهم﴾، أي: أمرهم الذي أرادوا به ما يراد بالمكر من إظهار شيء وإبطان غيره، وذلك أنهم أظهروا أنّ شركاءهم آلهة حقاً وهم يعلمون بطلان ذلك، وليس بهم في الباطن إلا تقليد الآباء، وأظهروا أنهم يعبدونها لتقرّبهم إلى الله زلفى، ولتشفع لهم، وهم لا يعتقدون بعثاً ولا نشوراً، فصار كل ذلك من فعلهم فعل الماكر ﴿وصدّوا﴾ غيرهم ﴿عن السبيل﴾، أي: طريق الهدى الذي لا يقال لغيره سبيل، فإنّ غيره عدم بل العدم خير منه، فهم لم يسلكوا السبيل، ولا تركوا غيرهم يسلكه، فضلوا وأضلوا، وليس ذلك بعجيب فإنّ الله أضلهم ﴿ومن يضلل الله﴾، أي: الذي له الأمر كله بإرادة إضلاله ﴿فما له من هاد﴾ وقرأ ابن كثير بإثبات الياء بعد الدال في الوقف دون الوصل، والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً. وكذلك من واق وكذا ولا واق. ولما أخبر الله تعالى بتلك الأمور المذكورة بين أنه جمع لهم بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة بقوله تعالى:
﴿لهم عذاب في الحياة الدنيا﴾ بالقتل والأسر والذم والإهانة واغتنام الأموال واللعن، ونحو ذلك مما فيه غيظهم ﴿ولعذاب الآخرة أشق﴾، أي: أشدّ في المشقة بسبب القوّة والشدّة وكثرة الأنواع والدوام، وعدم الانقطاع، ثم بين تعالى أنّ أحداً لا يقيهم من عذابه بقوله تعالى: ﴿وما لهم من الله من واق﴾، أي: مانع يمنعهم إذا أراد بهم سوءاً لا في الدنيا ولا في الآخرة، والواقي فاعل من الوقاية، وهي الحجز بما يدفع الأذية. ولما ذكر تعالى عذاب الكفار في الدنيا والآخرة أتبعه بذكر ثواب المتقين بقوله تعالى:
(٣/٣٨٧)
---


الصفحة التالية
Icon