وقال ابن عطية عن ابن عباس: هو الرجل يعمل بطاعة الله تعالى، ثم يرجع لمعصية الله تعالى، فيموت على ضلاله فهو الذي يمحو الذي يثبت يعمل الرجل بطاعة الله، فيموت وهو في طاعته فهو الذي يثبت. وقال الحسن: يمحو ما يشاء، أي: من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجيء أجله إلى أجله. وعن سعيد بن جبير قال: يمحو ما يشاء من ذنوب العباد فيغفرها، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها. وقال عكرمة: يمحو الله ما يشاء من الذنوب بالتوبة، ويثبت بدل الذنوب حسنات كما قال تعالى: ﴿فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات﴾. (الفرقان، ٧٠) وقال السدي: يمحو الله ما يشاء يعني القمر ويثبت ما يشاء يعني الشمس بيانه قوله تعالى: ﴿فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة﴾ (الإسراء، ١٢). وقال الربيع: هذا في الأرواح يقبضها الله تعالى عند النوم، فمن أراد موته أمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته وردّه إلى صاحبه بيانه قوله تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ (الزمر، ٤٢) الآية. وقيل إنّ الله تعالى يثبت في أوّل كل سنة حكمها، فإذا مضت السنة محاه، وأثبت حكماً آخر للسنة المستقبلة. وقيل: يمحو الله الدنيا ويثبت الآخرة.
وقيل: إنّ الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب.
وقيل: هذا في المحن والمصائب فهي مثبتة في الكتاب، ثم يمحوها بالدعاء والصدقة ﴿وعنده﴾ تعالى ﴿أمّ الكتاب﴾ أصل الكتب والعرب تسمى كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أمّا، ومنه أمّ الرأس للدماغ، وأمّ القرى، وكل مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى فكذلك أمّ الكتاب هو الذي يكون أصلاً لجميع الكتب، وفيه قولان: الأوّل: أنه اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدّل وجميع حوادث العالم العلوي والسفلي يثبت فيه. روي عن النبيّ ﷺ أنه قال: «كان الله ولا شيء ثم خلق اللوح وأثبت فيه أحوال جميع الخلق إلى قيام الساعة».
(٣/٣٩٤)
---