تنبيه: محل جملة لا معقب لحكمه النصب على الحال كأنه قيل: والله يحكم نافذاً حكمه كما تقول: جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة تريد حاسراً ﴿وهو﴾ عز وجل مع تمام القدرة ﴿سريع الحساب﴾ فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا. وقال ابن عباس: يريد سريع الانتقام يعني: حسابه للمجازاة بالخير والشرّ، فمجازاة الكفار بالإنتقام منهم، ومجازاة المؤمنين بإيصال الثواب إليهم، وقد تقدّم الكلام في معنى سريع الحساب قبل هذا. وقوله تعالى:
﴿وقد مكر الذين من قبلهم﴾، أي: من كفار الأمم الماضية قيل: مكروا بأنبيائهم مثل نمروذ مكر بإبراهيم، وفرعون مكر بموسى واليهود مكروا بعيسى فيه تسلية للنبيّ ﷺ وقوله تعالى: ﴿فلله المكر جميعاً﴾، أي: أن مكر جميع الماكرين حاصل بتخليقه وإرادته؛ لأنه تعالى هو الخالق لجميع أعمال العباد، فالمكر لا يضرّ إلا بإذنه ولا يؤثر إلا بتقديره، فيه أمان له ﷺ من مكرهم، فكأنه قيل: إذا كان حدوث المكر من الله تعالى وتأثيره في الممكور به من الله وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله تعالى لا من أحد من المخلوقين، وذهب بعض المفسرين إلى أنّ المعنى: فلله جزاء المكر، وذلك أنهم لما مكروا بالمؤمنين بيّن الله تعالى أنه يجازيهم على مكرهم. قال الواحدي: والأوّل أظهر القولين بدليل قوله تعالى:
(٣/٣٩٧)
---


الصفحة التالية
Icon